الاستشراق والقضية الفلسطينيَّة

آراء 2024/04/01
...

 د.يحيى حسين زامل

يشير موضوع الاستشراق بوصفه موضوعا وعلما إلى دراسة وتحليل الثقافات والحضارات الشرقية، ولا سيما العربية والإسلامية، من قبل العلماء الغربيين. ويركز الاستشراق على فهم الشرق من منظور غربي، الذي غالبًا ما يتضمن انحيازات ثقافية وسياسية واقتصادية. بينما ميز المستشرق الكبير في القرن العشرين «ماكسيم رودنسن» الاستشراق على انه : «اتجاه علمي لدراسة الشرق الإسلامي وحضارته».
ولا يمكن الكتابة عن الاستشراق دون المرور بــ (إدوارد سعيد) ذي الأصول الفلسطينية، فقد شرّح الأستشراق تشريحًا علميًا وموضوعيًا في كتابه (الأستشراق المفاهيم الغربية للشرق)، في عام ١٩٧٨، مفرقا بين الشرق والغرب من جهة ورؤية الغرب إلى الشرق ذات النظرة الفوقية بوصفه الأدنى حضاريا وثقافيا وعلميا من جهة اخرى. وقدم «سعيد» في هذا الكتاب نقدًا للمدرسة الاستشراقية وأساليبها في دراسة الشرق، وانتقد الاستشراق بشدة لتعصبه وتحيزه ضد الثقافات الشرقية، واعتبر أن الاستشراق لا يمثل فقط نوعًا من الدراسات الأكاديمية بل هو أداة للهيمنة الاستعمارية والتحكم السياسي.
والمستشرق عند «سعيد» كل من يعمل بالتدريس أو الكتابة أو أجراء البحوث في موضوعات خاصة بالشرق سواء كان ذلك في مجال اﻷنثروبولوجيا أو علم الاجتماع أو التاريخ أو فقه اللغة، وسواء كان ذلك يتصل بجوانب الشرق عامة أو الخاصة، والاستشراق إذن وصفة لهذا العمل، وأتبع سعيد بدراسته الأستشراق بمنظور هجين، وبحسب وصفه : يمكن أن يوصف بتعبير آخر، بأنه تاريخي وأنثروبولوجي بصورة عامة، ما دمت اعتقد أن جميع النصوص نصوص دنيوية وتتأثر بالظروف المحيطة بها.
وبخصوص القضية الفلسطينية فقد قدم سعيد رؤياه المفسرة، لعدم نصرة القضية الفلسطينية من قبل الأنظمة والحكومات الغربية المبتنية على التعصب الغربي على الشرق، وما يحمل من دين وثقافة وحضارة، وفق رؤية استعلائية واستعمارية تمتد لآلاف الأعوام، وقد تجددت في العصر الحديث في احتلال بلدان الشرق الأوسط بين استعمار بريطاني وفرنسي وايطالي، وتاسيس بلد استيطاني قائم على رؤية دينية يهودية في أرض فلسطين الّذي يختزل الفلسطينيّين والعرب بوصفهم بشرًا متوحّشين، بربريّين، جهلة، قتلة، إرهابيّين، وذلك من خلال تأصيل سرديّتين مركزيّتين: أولا: فلسطين أرض بلا شعب، وهي صحراء قاحلة وجرداء.ثانيا: فلسطين قبل 1948، أرض بلا تاريخ ثقافيّ أو تعليميّ أو علمي.
ومهدت حركة استشراقية استعمارية قبل نحو مئتي عام، لأستعمار أرض فلسطين تابعة لنابليون في حملته على مصر وفلسطين عام 1799، وذلك حين دعا نابليون اليهود للسير وراء فرنسا حتى يتسنى لها استعادة ما سماها بالعظمة الأصلية لبيت المقدس. وادعى مستشرقون مرافقون للحملة الفرنسية، أن اليهود هم ورثة فلسطين الشرعيون، ويحق لهم إعادة إنشاء «مملكة القدس القديمة». ودعا المستشرق أنكتيل ديبرون (1731-1805)، إلى مشروع يسىعى لإيجاد موطئ قدم لأوروبا في المنطقة العربية من خلال اليهود، بعد أن قام بعدة رحلات لفلسطين، ليبرهن على وجود «شعب الله المختار» في ماضيها عبر تتبع أصول اليهودية. بينما يذهب الباحث فاضل الربيعي إلى رأي مخالف تماما في تاريخ المنطقة، وأن المستشرقين، ولا سيما البريطانيين اعتمدوا على نسخة مزورة للتوراة في اللغة الإنجليزية لتزوير تاريخ المنطقة، تم فيها إسقاط جغرافية «اليمن» التي دارت فيها أحداث التوراة فعلا على جغرافية فلسطين التاريخية لأهداف استعمارية.
وتعاطفت الانظمة والحكومات وبعض المؤسسات الغربية مع إسرائيل الحديثة، وعادوا العرب والمسلمين، بينما دعم الغرب الإمبرياليّ بزعامة الولايات المتحدة الامريكية المشروع الصهيونيّ بقوة، وشيطنوا الفلسطينيّين والعديد من المفكّرين المناهضين للمشروع الصهيونيّ؛ على رأسهم إدوارد سعيد، وجومسكي، وكورنيل ويست، وجوزيف مسعد، وستيفين سلايطة وغيرهم.