نقاط الضعف في الديمقراطية العراقيَّة

آراء 2024/04/01
...







 باسم محمد حبيب

من من المميزات المعروفة للأنظمة الديمقراطية هو ضمانها تغيير الوجوه السياسية، لكن للأسف قد تؤدي بعض الظروف إلى عرقلة هذا الأمر، مثل : وجود تحديات داخلية وخارجية، ووجود عوامل اجتماعية ودينية وثقافية داعمة لإحتكار البعض للسلطة وعرقلة تداولها بين الأطراف أو الشخصيات السياسية وعدم السماح بظهور قوى وشخصيات جديدة منافسة و ذات رؤى مختلفة.
فنجاح الديمقراطية وتحولها إلى نهج متبع ودائم ومستقر مرتبط بمعالجة هذا الخلل الكبير، لأن الديمقراطية في العراق كانت وما زالت مهددة في وجودها واستمرارها ليس فقط لأنها شيء غريب على الواقع السياسي العراقي، الذي حكم طويلا من أنظمة مستبدة ودكتاتورية بل ولأنها نتاج تدخل خارجي وهو ما قد يجعلها مرتبطة به أو مرتكزة عليه في استقرارها، استمرارها وتجربة العراق في العهد الملكي خير شاهد على إرتباط مثل هذا النوع من الأنظمة بالعامل الخارجي وارتكازه عليه، إذ سقط ذلك النظام فور تراجع الدعم البريطاني وتحول بريطانيا من دولة راعية إلى دولة حليفة، وليس هناك ما يضمن أن لا يشهد الواقع الحالي حالة مماثلة أو يمر بما مر به النظام القديمة فيما أخذت الأمور مسارا آخر.
فالتهديدات التي تعرض لها العراق في السنوات القليلة الماضية، تؤكد بما لا يقبل اللبس أن العراق الجديد ليس منيعا من المرور بمثل ما مر به العراق القديم، وكلنا نتذكر ما جرى للبلد بعد انسحاب الأمريكان منه، وكيف واجه أكبر خطر يواجهه في تاريخه الحديث عندما أصبح وجوده مهددا؟ فلم يكن أمامه سوى الإستعانة بالأمريكان مرة أخرى، فليس هناك ضمانة في أن يتغير هذا الأمر اللهم إلا إذا أجريت تصحيحات على البناء السياسي، واتخذت إجراءات تضمن استقراره وبقاء الديمقراطية فيه، فالتخلص من الحاجة للوجود الأجنبي مرهون بعمل هذه التصحيحات، وإلا لن يكون بالإمكان تحقيق الاستقلال السياسي أو إبعاد التدخلات الخارجية، بما ذلك تدخل دول الجوار كتركيا وإيران وغيرها.
أما أهم شيء يجب القيام به لتحقيق هذا الأمر، فليس هناك شك في أن المطلوب هو ضمان قدرة السلطة السياسية على اتخاذ قراراتها بمعزل عن أي تأثير خارجي أو مصلحة لطرف سياسي عراقي، وهذا لن يتم من دون إنهاء سيطرة قادة الكتل السياسية على الحكومة وترك الأمر كله للبرلمان، بوصفه السلطة الوحيدة التي تحرك الحكومة وتؤثر في قراراتها وتملك إمكانية المراقبة والمحاسبة لأفعالها وقراراتها بما في ذلك محاسبة وزرائها ومسؤوليها، خلال مدة تقلدهم للمناصب أو بعد انتهاء مسؤولياتهم، أما الآلية التي تحقق ذلك، فترتكز على أمور عدة من بينها : تفعيل المعارضة البرلمانية، وجعل هذه المعارضة ركنا أساسيا في عمل البرلمان، فلا يجب تشكيل الحكومة من كل الكتل الفائزة بمقاعد البرلمان، بل من الكتل الممتلكة لأعلى المقاعد فيه، أما الكتل التي تمتلك مقاعد أقل فتسند إليها مسؤولية المعارضة البرلمانية، ومن أجل أن لا تكون الحكومة أو المعارضة مكونة من لون واحد أو اتجاه واحد، لا بد من تضمن أي تغييرات سياسية تصحيحية تمثيل المكونات في الحكومة والمعارضة على حد سواء، بغض النظر عن الطريقة التي يمكنها أن تحقق
ذلك.
فليس هناك شك في صعوبة تحقيق ذلك، ليس فقط لتعقد النسيج المكوناتي، بل وتعقد البناء السياسي وصعوبة الموائمة بين ما يتطلبه هذا البناء من ركائز تمنحه التوازن والاستقرار وطبيعة النظام نفسه، ما يجعل من الضروري الارتكان إلى المشورة لمعالجة هذا الأمر، سواء أكانت من أصحاب الخبرة العراقيين أم الدوليين، فهذه الأمور تتطلب قراءة دقيقة ومتفحصة لكل جوانب المشهد العراقي، مثلما تتطلب حرصا وعدم تعجل، لكن على الرغم من ضرورة توفير الوقت اللازم لتحقيق ذلك، إلا أن من الضروري أن لا يطول ذلك كون العراق بحاجة ماسة له. فلكي نتخلص من حالة الل استقرار، ومن التهديدات التي تواجه الكيان العراقي والنظام الديمقراطي، الذي يتبناه لا بد من الإسراع في تحقيق التصحيحات المطلوبة للواقع السياسي، فالعراق ونظامه ووجوده مرتبط
بذلك.