التخلّف بمنطق أكاديمي

آراء 2024/04/01
...

محمد الكرخي

من سلبيات مجانية التعليم، أنها ساوت بين من يستحق الشهادة العلمية وبالتالي يستحق موقعه الوظيفي في المؤسسات المجتمعية، وبين من لا يستحق الشهادة وبالتالي لا يستحق نيل أي مسؤولية عامة في المجتمع. وما زاد الطين بلة، أن مجانية التعليم في العراق فتحت باباً واسعاً لإلحاق الجماعات السياسية بمختلف أشكالها لأفراد محددين -تبعاً لانتماءاتهم الضيقة لا اعتماداً على الكفاءة العلمية- في المؤسسات العامة. ومن نتائج فتح هذا الباب، أن أصبحت المؤسسات المفترض أنها قائمة على العلم مجرد سوق مفتوحة للاسترزاق، لا تختلف في هيكلتها عن هيكل أي سوق شعبية من أسواقنا العراقية المعروفة، وهذا سبب واحد -من أسباب عديدة أخرى- يفسر لنا الفوضى التي نشاهدها في المؤسسات العراقية العامة. ولأن التعليم في العراق قائم على التلقين أكثر مما هو على الفهم والشرح والإيضاح والتطبيق، فإن «مجانية التعليم» لا تؤتي أُكلها في صناعة الإنسان «المواطن» ومن ثم صناعة «المواطن العالم» الذي ينظر إلى الحياة بعيون العلم لا بوهم الخرافة. إن التعليم تلقيناً لا ينتج أهل علم أكاديميين حقيقيين، وإنما مجرد دراويش. إن أسلوب التلقين التعليمي، يدل على كسل الأساتذة وربما عدم معرفتهم التامة بالعلوم المكلفين في تعليمها للتلاميذ، وهذا الأسلوب التلقيني سبب رئيس لبلادة نسبة كبيرة من المسؤولين العراقيين، فعندما يحاول أحدهم إيضاح قضية علمية متخصص فيها، تشعر وكأنه ينازع الأفكار التي يود الحديث عنها، وهو في النهاية يجهل تقديمها، فيلجأ للغة الأرقام، ويذكرنا بأنها «لغة عالمية» لا تعرف الخطأ، وغالباً ما يلجأ للغة الشارع كدليل على تواضعه وخفة دمه.  ومن صفات من لا يستحقون الشهادة، أنهم لا يشبعون مهما أكلوا، إنهم بفضل الحزب والطائفة والعشيرة اقتحموا سوق المؤسسات العامة، وهم لا يختلفون بعقولهم عن أي إنسان جاهل لم يسعفه الحظ ليكون أحد أفراد جماعة ضيقة ما ونافذة، تدفع به ليمثلها في إحدى المؤسسات العامة، وبالتالي، فإن هؤلاء مهما بلغوا من المراتب العلمية، فإنهم يبقون توابع لأهل التخلف والخرافة. وبما أن أغلب المؤسسات الإعلامية والثقافية بيد جهات مستبدة الكيان، ولأنها مؤسسات تدفع لمن يسبح بحمدها أو يبيض وجهها، فإننا نرى هؤلاء الأكاديميين الدراويش يتملقون أهل الخرافة بشتى الأشكال الأكاديمية، وكله تملق بالأرقام وباعتماد أرقى المصادر والمراجع العلمية.