حين شاهدتني أختي في التلفزيون

آراء 2019/05/30
...

نوزاد حسن
 
 
تتمتع اختي بصفة عراقية لا ينافسنا فيها احد.فكما اننا نملك النفط حاليا والتمر سابقا فاننا نملك اليوم مزاجا تشكيكيا قويا جدا يحسدنا عليه الفرنسيون.هذا المزاج له القدرة على اطلاق صفة الفاسد على اي شخص لمجرد ان يتسلم هذا الشخص منصبا حتى لو كان بسيطا.ببساطة نقول عنه:الاخ مستفاد.نقول هذا الكلام,ونزينه بشتائم وغضب هادر.اختي واحدة من هذه النماذج الغاضبة على كل شيء.ويبدو ان رحلتها الصعبة الى فلندا جعل مزاجها هجوميا كافعى الكوبرا.اذن انزوت اختي في عالمها الصغير المخصص للاجئين مع عوائل اخرى من بلدان مختلفة.وفي الغربة ظل عقلها المحلي العراقي يعمل بقوة سفينة فضائية لا تقف ابدا.احكام وسخرية وشك في كل شيء.واذا شاهدت شخصا يتكلم في فضائية ما عن الفساد او اي موضوع سياسي تقول بلا مقدمات: حرامية سرقتم البلد وانتم تلبسون اربطة العنق والبدلات. وتختم كلامها بلعنكم الله.ولكي تكمل الحياة سخريتها اتصلت بي ابنة اختي وهي تضحك.قالت لي: خالو حين شاهدتك تتحدث في احدى الفضائيات قلت لامي: ماما هذا خالو لابس قاط ورباط يعني هو هسه من الحرامية.ضحكت لكن الامر ليس نكتة.انه مشكلة كبيرة وخطيرة.فهذا البؤس السياسي والشك في كل شخص يعني اننا خاضعون لسوء فهم سيقودنا الى خراب اكبر.
   لذا فانا افهم الاجراء الذي اتخذه المجلس الاعلى لمكافحة الفساد حين طلب من المواطنين تقديم الادلة التي لديهم بدلا من التحدث عن الفساد في مواقع التواصل الاجتماعي من دون دليل لانهم سيعرضون انفسهم للمساءلة.وفي مقابل ذلك فان ردودا كثيرة صدرت من مثقفين وكتاب استهجنت بيان المجلس الاعلى لمكافحة الفساد ذلك لان المثقف بدأ ينزعج من ديمقراطية يراها غامضة.
  انا اتساءل ترى لماذا وصل عقل اختي وعقول كثيرة ايضا الى هذه الدرجة من التشاؤم.؟لماذا صار العقل اداة لاتهام الجميع بلا استثناء.؟
  بكلمة اخرى لماذا تحول عقلي الى طاقة سلبية تجعلني ناقدا وشاكا في كل الاوقات.؟ هل يبقى لدينا شيء قليل من السعادة نحس به ونحن محاصرون بكلام السياسة ومصالحها ومنافعها.
  الاجابة على كل تلك الاسئلة تنحصر في جملة واحدة هي ان التجارب المتكررة الخاطئة تزود العقل بطاقة سلبية.لو ان سائق التكسي مر بعشرة شوارع غير مبلطة ومليئة بالحفر فسيقول بغداد كلها غير مبلطة.ويقفز الى النتيجة الثانية ان السرقات هي السبب في رداءة الاسفلت.ثم يصعد سائق التكسي مرتبة اعلى حين يضع رقما من عنده صرف على هذا المشروع او ذاك كذا مليار دينار.ومع اعلام يرصد كل شيء,وحديث حكومي عن ملفات فساد ستقدم لجهات رقابية..مع كل هذه الفوضى التي تصل الى العقل ما الذي يبقى من عقل اختي الثورية جدا في شكها الذي يحرق اي امل بالتغيير.ان الحكومة تصنع عقولنا لكنها تنسى ذلك.