احتفاء بالرموز العراقيَّة

آراء 2024/04/02
...

 ابراهيم سبتي


كل بلاد تعتز برموزها وتحاول أن تقدمهم للجمهور كذاكرة حيّة خالدة باقية، وتسير مع الأجيال في كل الحقب الزمنية، وترسم لهم المشهد المعرفي المتكامل بكل شخصية. إنهم قامات شاهقة في تراث وتاريخ ومستقبل كل امة وفق حجم وقيمة الجهود والبذل والابتكار، والمحافظة على عنوان التميز النوعي، الذي تسعى اليه المجتمعات وتتفاخر وتتباهى به لانهم يعكسون ثقافتها واصالتها وقوة جذورها والاكثر من ذلك إنهم بناة حضارة ان كانت قديمة أو معاصرة شاهدة على ذلك التميز. هم كنوز وثروات سيادية إسوة بالثروات المادية التي لا يمكن العبث بها، وهم العنوان الموصل لرفعة المجتمع ومدى اصلاحه وتعلّمه وتهذّبه، وإدامة وحماية الهوية الوطنية وهي العنوان الاكبر الدال على الانتماء والانتساب. في العراق رموز خالدة، قدّمت وابدعت وصنعت لها منجزا قوياً نابتاً في الأرض. هم رموز دينية وسياسية وثقافية وادبية واجتماعية وعلمية وجهادية ومن نال منهم شرف الشهادة ومن خدم بلاده في شتى الظروف. هؤلاء مهما تقدم لهم الدولة فهم يستحقون بجدارة. يحتاج الجمهور لمعرفتهم والبحث عن منجزهم المدوّن والمكتوب والمرئي وازاحة الستار عن كل ما تركوه وصار أيقونة في خدمة بلادهم. وأعتقد أن مهمة التعريف بهم ستكون في متناول اليد إن اطلقت الجهات المختصة تلك الأسماء على الشوارع والساحات العامة والحدائق والمدارس والتقاطعات والمستشفيات والمجسّرات والجسور والمدن السكنية وسواها. ستكون جزءا من الوفاء لهم واعترافاً بالجميل الذي قدموه. وتمثّل تلك الأسماء تنوعاً ثقافياً وتاريخياً تعني مباشرة بمدلولات تراثية وقيم حضارية وفكرية ومديات مدّ الجسور مع الماضي الموصل بالحاضر. ولا بد لتلك الأسماء ان تعبّر عن قوة الإسم المكنى المكان به وبالتالي بيان الأبعاد النفسية والعلمية والثقافية لكل إسم. وعلى الجهات المعنية دراستها دراسة مستفيضة وان تكون متلائمة تماماً مع ما قدمته كل شخصية من جهود بذلتها لرقي المجتمع وتطوره ودراسة جميع المعطيات الناتجة عن التسمية اضافة إلى اصدار المنتوج التعريفي لإزالة عنها بعض الغموض أو اي اشكالية اخرى. انها دلالة على وعي المجتمع بما يبذله الابناء الذين حملوا الامانة وتمسكوا بها. ولا غرابة أن نجد أن بعض الأسماء المثبتة على الشوارع أو الساحات العامة، غير معروفة وليس لديها اي منجز حضاري وربما جاء الاسم بشكل فردي أو عشوائي وظل مثبتاً دون تغييره بأسماء اخرى قد تكون اكثر وقعاً وتأثيرا. واكثر الأسماء هي تلك التي تنتشر بسرعة بين الناس وتُعرف بصورة سهلة دون عناء. وأعتقد أن إطلاق الأسماء لا يمكن ان يتم بعشوائية وعدم انتظام لأنها ستصبح غير مناسبة للمكان ذاته. فالعلماء يمكن ان يزينوا واجهات الأبنية العلمية التي تتناسب مع مساراتهم خلال ما قدموه في حياتهم من جهود وأثر. وكذا الحال بالنسبة للأدباء اذ لا يمكن ابدا ان نطلق اسم احد الأدباء المشهورين على سوق تجاري أو غيره من الأماكن البعيدة عن الإختصاص. ما اعنيه هو الاسم المناسب للمكان المناسب وبذلك نحافظ على القيمة المعنوية والتاريخية للرموز الوطنية العراقية التي تستحق كل الاحترام والاجلال. إن ذكر الرموز داخل المجتمع حالة حضارية ومؤثرة في ذاكرة الاجيال لأنها ستكون لصيقة بالأذهان مما يجعل حالة التعريف شاخصة لا تنسى وهي ظاهرة تسعى الامم والشعوب لإعلان وتوضيح وبيان فحوى ومضمون كل رمز وطني لأجل تكوين الافكار والرؤى الخاصة به وجعله حاضرا في الذاكرة على 

الدوام.