تحديات الأمن البيئي

آراء 2024/04/02
...

 عباس الصباغ 

لم يكن التقرير الذي عدّ العراق خامسا عالميا في التطرف البيئي ناتجا عن فراغ، ومن نافلة القول إن المشهد البيئي العراقي شهد اختلالات مناخية بنيوية كثيرة خلال العقود الأخيرة، خاصة أبان العهد الديكتاتوري الشمولي المباد وما رافقه من حروب عبثية وحصارات ظالمة، وما لحق ذلك من تداعيات التغيير النيساني المزلزل، شكلت جميع اسقاطاتها تحديات بيئية حقيقية لأي برنامج حكومي تعلنه أي حكومة وهواجس مقلقة لها.

 يعرّف الأمن البيئي بحسب الموسوعة الحرة هو (الذي يعكس قدرة دولة أو مجتمع على مقاومة المخاطر البيئية وندرة الثروات البيئية، أو التغيرات البيئية المضادة، أو التوترات أو الصراعات ذات العلاقة مع البيئة) فالتحديات البيئية في العراق كثيرة جدا يأتي في مقدمتها الاحتباس الحراري، الذي يحتاج إلى معالجات بيئية صارمة كالاستخدام التدريجي للطاقة المتجددة (النظيفة) كأشعة الشمس والرياح والطاقة النووية للأغراض السلمية وغيرها، وفي حال التخلي التدريجي عن الوقود الاحفوري يبرز تحدٍ آخر هو التأثير الاقتصادي السلبي المباشر على الموازنات المالية كون الاقتصاد العراقي احادي الجانب يعتمد بشكل رئيس على النفط والانتقال التدريجي نحو الطاقة المتجددة بأنواعها يعني التحرر من هيمنة الريع النفطي كمصدر رئيس في التمويل المالي، لذا يتوجب على اصحاب القرار الاقتصادي / البيئي معالجة القضية من جميع جوانبها المالية والبيئية.

وليس الاحتباس الحراري فحسب رغم خطورته على الأمن الغذائي الذي يعد من اركان الامن القومي العراقي، يأتي التلوث المائي ثانيا ويشمل تلوث المياه العذبة، وهي المياه التي يتعامل الإنسان معها بشكل مباشر وتلوث البيئة البحرية بسبب ناقلات البترول وملوثات من مصادر أخرى مثل مخلفات الصرف الزراعي والصحي التي تصبها الأنهار والمبيدات الحشرية وشوائب البلاستيك مع تفاقم مشكلة الملوحة وغيرها، يأتي ذلك تزامنا مع الازمة المائية المتفاقمة التي تشهدها البلاد بسبب الاجراءات التعسفية لبعض دول الجوار (دول مصب نهري دجلة والفرات )، يضاف إلى ذلك ملوثات الهواء التي تصنف إلى قسمين، التلوث بالنفايات وتشمل القمامة عن طريق حرقها وعدم الاستفادة بتدويرها لتصنيع الكهرباء، وايضا النفايات الاشعاعية ومخلفات الحروب التي خاضها العراق طيلة العقود المظلمة السابقة لحقت بها الحرب الضروس ضد داعش, ولايمكن غضّ النظر عن تلوث التربة التي شهدت اعمال تجريف غير مسبوقة اثّرت في تماسكها وذلك بسبب ازمة السكن المحتدمة ما أدى إلى تخلخل النسيج الارضي مع قلة التشجير وهو السبب الرئيس لنشوب العواصف الخانقة، ويأتي مضافا إلى كل ما تقدم تغير طبيعة المناخ بسبب الجفاف وحرائق الغابات والبساتين وموجات الحرارة العالية والعواصف والأعاصير وايضا جراء احتراق النفط والغاز (مخلفات الوقود الاحفوري) يلحق بذلك مسألة التصحّر والتملّح اللتين تعدان من المشكلات البيئية الرئيسة التي يواجهها العراق في الوقت الحاضر اضافة إلى( الاحتباس الحراري المزمن)، بسبب قلة الأمطار، وعدم انتظام سقوطها وتباين كمياتها والاستهلاك البشري الخاطئ، سواء في الزراعة أو الاستخدام اليومي الخاطئ.

 ولا ننسى المواد المشعة فهناك أكثر من أربعين موقعاً في عموم العراق ملوثاً بمستويات عالية من الإشعاعات والمواد السامة بسبب الحروب والإهمال خاصة في جنوب العراق، اضافة إلى الخردة المعدنية للمعدات والتجهيزات العسكرية القديمة من مخلفات الحروب (السكراب ) وايضا رواسب حقول الألغام، التي تركتها العمليات العسكرية في العراق وضرورة التخلص منها بالتعاون مع المجتمع الدولي والمنظمات الاممية المشرفة على ذلك.

 وعلى العموم يجب نشر الوعي البيئي والقضاء على الامية البيئية بواسطة وسائل الاعلام كافة ومواقع السوشيل ميديا ومنظمات المجتمع المدني والقاء المحاضرات التوعوية، ونشر البوستات الارشادية من اجل الحفاظ على المظهر اللائق للمدن العراقية وتجنب التلوث البصري والسمعي واللوني في الأحياء السكنية العشوائية وازقة المدن والشوارع الضيقة المتداخلة ومعالجة أكوام القمامة المنتشرة في بشكل عشوائي.