عقدان وسنةٌ من التغيير

آراء 2024/04/04
...

 نرمين المفتي 


سيتخرج من الجامعات مع حزيران من هذه السنة الذين ولدوا في 2003 ويتخرج معهم من المجموعة الطبية والهندسة المعمارية، الذين ولدوا مع بداية الألفية، وبعمرهم مئات الآلاف من الشباب، الذين لم يحالفهم الحظ ولم تساعدهم الظروف في اكمال دراساتهم وبينهم من تطوع في الأجهزة الامنية والقوات المسلحة بمختلف مسمياتها ومهامها، وبعمرهم ايضا كثيرون ضاع منهم الطريق، وربما أضاعوه أو عاندتهم الظروف فاختاروا الجريمة والمخدرات، التي اصبحت ارهابا آخر يهدد السلم المجتمعي، ولكن في المقابل هناك وبعمرهم ايضا شباب لم يستسلموا للظروف وانخرطوا بأعمال يقدرون عليها وبينهم من بدأ مشروعه الخاص وقطعا لا أنسى الإشارة إلى شباب تشرين، الذين جعلوني وكثيرين غيري ان ننسى عقود الإحباط والخيبات قبل 2003 وبعدها. بدءا، لا بد من القول بأنه لولا التغيير والدستور الذي يكفل حرية الرأي والتظاهر، لما كنا شهدنا سواء تشرين أو التظاهرات، التي سبقتها والتي سمحت لشباب بعمر الورد ان يقولوا كلمتهم بشجاعة وبسالة، وان كان التعامل معهم لم يكن دائما بمستوى المسؤولية، والأكثر إيلاما أن هناك من تسلق دماء هؤلاء الشباب واحلامهم ومطالبهم ووصل إلى سدة الحكم ولم ينفذ وعوده وسرعان ما تناسوهم..  ولكن هل تمكن التغيير من تربية الشعب؟ واقصد بالتربية هنا، ان تكون الحكومة محبة للشعب وان توفر الحقوق لمن يقوم بواجباته وان تتعب لاجلهم كما يتعب الوالدان لاجل صغارهم. 

فالشعب، اي شعب واينما كان في اي بلد، يحتاج لهكذا حكومة، انطلاقا من الحديث الشريف (كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته). هل تمكن الذين جاؤا بعد التغيير أن يكونوا مسؤولين عن رعيتهم وان يكونوا قدوة حسنة لهم؟. إ المدة الزمنية وهي 21 سنة والاموال التي صرفت من خزانة العراق، كانتا كافيتين حقيقة في تحقيق (العراق الجديد) الذي كان شعارا ولم يستخدم كهدف. لم يلمس العراقيون على مدى تاريخه الحديث حكومة تخاف عليهم وتحبهم وتعمل لاجلهم، فالانقلابات التي يصفها البعض بالثورات، لم تكن لاجلهم انما قام بها البعض بسبب الطبقية واخرون لاسباب حزبية وغيرهم لاجل مصالح خاصة. وأعود إلى التغيير الذي جرى تحت شعارات براقة ومن بينها ان العراق سيكون (هونغ كونغ) المنطقة اقتصاديا خاصة. لكن العراقيين وعلى مدى هذه السنوات أتعبهم الفساد، الذي نتفق جميعا بأنه ارهاب داخلي اكثر شراسة من الأرهاب الظلامي والسبب ان هناك من واجه الظلاميين ودحرهم بدمه وشبابه وأحلامه، لكن ارهاب الفساد يبدو حتى الان ان مواجهته عملية شاقة، خاصة ان المحاصصة المقيتة التي يشكل السبب الرئيس له، لا تزال الاساس في اي تشكيل حكومي. والمحاصصة تسببت ايضا بايجاد (ثقافة) المكونات، مصطلح حاول أن يحول التنوع الاثني والديني والطائفي في العراق والذي انتج ثقافته المميزة وحضاراته على مدى العصور، إلى مجموعات إثنية ودينية وطائفية وكل تبحث عن مصالحها وتحاول الانتصار على الأخرى. ولا يزال هناك من يلعب على هذا الوتر ليستمر ويكسب. أوجد الفساد طبقة ليست لديها اية قيم واصبحت، مع الأسف (قدوة) لبعض الشباب من الجنسين والذين بدأوا يرون فيه، واقصد الفساد، طريقا للوصول بسرعة إلى الثراء والشهرة وبينهم من يتعامل مع الفاسدين وشبكة الابتزاز، الذي اعلن عن كشفها مؤخرا أحد أوجه التعامل هذا. يتحدث السياسيون في حواراتهم بصراحة عما يجري ويدينون الفساد، ولكن الاجراءات قطعا ليست بمستوى التصريحات. 

21 سنة، ولا يزال العراقيون يحلمون أن لا يسألوا عن احلامهم، ليجيبوا ان يكون لديهم عمل جيد وبيت وبعض الرفاهية، ليتعجب السائل ويصحح قائلا: إن هذه من مهام الحكومات، وهو سألهم عن احلامهم. والخطوة الاولى لتحقيق الاحلام في القضاء على الفساد واستعادة المليارات التي نُهبت واعادة السلم المجتمعي، فقد برهنت الأحداث أن الفساد أم الخبائث. ومهما كانت الخطوة لا تزال صغيرة في مواكبته، المهم انها بدأت وان تبدأ متأخرة افضل من عدم البدء.