في الأثر الثقافي

ثقافة شعبية 2024/04/04
...

كاظم غيلان 



شهدت ثقافتنا العراقية وقائعَ  زخرت بها الذاكرة الثقافية، فيها من المسرات والانتكاسات الكثير، فيها ما نجده عابرا وما ظل حاضرا بقوة الفعل، فيها الصوت مثلما فيها الصدى الباهت. ولعل للمتغيرات السياسية التي شهدها العراق التدخل الاقوى في المسار الثقافي كما هو الحال في مسارات أخرى تتصل بحياتنا.

لا يمكن للفعل الثقافي مغادرة تاريخنا الذي ضج بتشوهات وعمليات تزوير كبيرة، كان للمؤسسة دور في صياغته لأجل اضفاء شرعية لوجودها، إلا أن للوقائع أهلها وشهودها، ولعل ما دونه شعراء الستينيات شاهدا على ذلك برغم خلافاتهم الفكرية وتقاطعاتها الحادة.

تأسس مهرجان المربد الشعري في العام 1971 وكان خطوة  يراد من خلالها التلويح باهتمام حكومة البعث الثانية بالثقافة ضمن مراجعة تصحيحية، لما ارتكبت من جرائم في عهدها الأول 1963، إلا أن هذا المهرجان ومنذ تاسيسه ليومنا هذا لم يترك أثرا ثقافيا، كالذي تركته مجلة ( الكلمة) التي اسسها واصدرها الأديب والموسوعي الطيب الذكر (حميد المطبعي)  ومساعده القاص ( موسى كريدي)، العام 1967 برغم قصر عمرها الذي توقف في النصف الأول من العقد السبعيني قياسا بعمر ( المربد).

المجلة كانت الصوت وظل صداها الثقافي ليومنا هذا لأنها ولدت من رحم الثقافة لا السلطة بخلاف المربد، وصدرت ممولة ذاتيا كمجلة منافسة للمجلات والدوريات الثقافية العربية دون أن تقترب للسلطة، وقدمت تجاربا إبداعية خالصة دون انحياز فكري لهذا وذاك، بالوقت الذي ظل المربد أسير توجهات الحكومات ورعايتها وتمويلها، لا سيما في حقبة الثمانينيات التي شهدت واحدة من أطول الحروب في الوقت الذي توقفت به " الكلمة"، التي ظلت عصية على شهوة الحكومة واغراءاتها التي جذبت ابواق الثقافة عراقيا وعربيا لأغراضها التي تتنافى مع فكرة الثقافة وجوهرها، وبقيت منبرا نخبويا على العكس تماما من المربد الذي تحول إلى ملتقى ترفيهي وفعالية عابرة لن تترك سوى الصدى الباهث وتراشقات يضج بها عالم السوشيال ميديا، مع انه لايخلو من مشاركة أصوات لها وقعها الإبداعي. لكنه لم يكن في كل الأحوال شبيها لصدى ( الكلمة ) المجلة.

في شعر العامية العراقية ليس ثمة وقائع تذكر باستثناء مهرجان سنوي أسسه ثلاثة من شعراء الناصرية ( كاظم الركابي، جبار الغزي، عبد الأمير العضاض) وأقيم فيها- تموز1969 حتى اصبح تقليدا سنويا لينتقل إلى( البصرة - العمارة الديوانية/ السماوة)، ولينتهي في الناصرية  تموز 1973 حيث ألغي نهائيا خضوعا وتلبية لقرار سياسي الدوافع - قانون الحفاظ على سلامة اللغة العربية - إلا أن السلطة إعادته لاغراضها التعبوية تمهيدا للحرب مع إيران وخلال سنواتها، فكان صرائخيا مدائحيا ارتزاقيا، لا علاقة له بجوهر شعر العامية الذي امتاز بجمالياته وانشاده الوطني الخالص، وهكذا  نفذت  المؤسسة مهمتها في خلع الوقار الذي ارتدته هذه القصيدة منذ بداياتها، ولأنها أدركت واحست بأفلاس كفتها في ميزان هذا اللون الذي شهدت حركة تجديده نتاجات قيمة فكريا وفنيا  على يد شعراء معارضين    لنهجها الذي اتسم بدونية أغراضه. 

وكما الحال في ثنائية( الكلمة) و(المربد )فقد ذهبت مهرجانات الحرب إلى مكب نفايات الثقافة بينما بقيت تلك الفعالية السنوية حاضرة في الوجدان العراقي.