ركضة بيروت

آراء 2024/04/07
...

عبد الزهرة محمد الهنداوي

أُتيحت لي الفرصة مؤخرا، للمشاركة في اعمال المنتدى العربي للتنمية المستدامة، الذي تنظمه سنويا منظمة الاسكوا في الأمم المتحدة بالتعاون مع جامعة الدول العربية، ويُقام في بيروت، التي وجدتُها قد فقدت كثيرا من بريقها، فلم تعد «باريس» الشرق كما كان يحلو للبعض أن يسميها!

ولم تعد أنوارها الساطعة تسحر العيون، وفارقت حياتها المخملية الناعمة، فما ان يحل الليل، حتى يسدل الظلام أستاره على أغلب شوارعها، في ظل انهيار الليرة اللبنانية إلى مستويات غير مسبوقة، في المقابل بقيت الاسعار كما هي يوم كانت الليرة في وضع مريح، مع سيادة مطلقة للدولار في جميع التعاملات التجارية والسوقية، اما السياّح فقد غابوا تماما، ربما باستثناء العراقيين، الذين مازالوا يذهبون اليها، لارتباط ذلك بسهولة الحصول على التأشيرة في المطار.
وهنا ليس القصد من هذه الاثارة، هو الحديث عن احوال بيروت، انما الشيء بالشيء يُذكر،- كما يقولون- بل اردتُ ان اتحدث عن طبيعة الحضور والمشاركة العراقية في هذا المنتدى وما يأتي على شاكلته من ملتقيات ومنتديات عربية وعالمية.
الذي لفت نظري في هذا الجانب، هو الغياب التام للعراق، في اي جلسة من جلسات المنتدى التي وصل عددها إلى ثماني جلسات رئيسة و(12) جلسة متخصصة، فضلا تنظيم حوار رفيع المستوى، واقامة الملتقى العربي لشركات الاعمال.
وامر اخر لفت نظري ايضا، هو ان عددا من المتحدثين في تلك الجلسات واغلبهم (من العرب)، كانوا يتحدثون باللغة الانكليزية، وهذا ليس مهما بالنسبة للكثيرين على اعتبار ان هذه اللغة صارت تسمى لغة العلم، ومَن لايجيدها، ربما سيبقى خارج اسوار المعرفة!!، إنما ما يلفت النظر في العديد من جلسات المنتدى ان بعضا من المتحدثين والميسرين، وهم (من العرب) ايضا، كانوا دائما يذكرون العراق، مثالا لكل ما هو سيئ، تدني المستوى المعيشي، انفلات امني، غياب القانون، تدهور الاقتصاد، عدم وجود قطاع خاص..وغير ذلك من المقارنات التي لم تكن منصفة في مجملها، وهنا وفي إحدى الجلسات طلبتُ منحي فرصةً للحديث، فحصلت على (3) دقائق، زيدت في ما بعد إلى (5)، شعرت خلالها اني اركض باقصى سرعة، حاملا بيدي مصباحا، محاولا مسابقة هذه الدقائق القصيرة، للاضاءة على بعض جوانب المشهد العراقي، قلت لهم إن شمسنا تشرق كل صباح، ودجلة يحتضن بغداد مثل ام رؤوم، تحدثتُ عن الاقتصاد العراقي بكثير من الاختصار، وأشرت إلى المستوى المعيشي، وذكرت القطاع الخاص بخير، وأضأتُ، على حجم المشاريع التي يجري تنفيذها، وغير ذلك.
واذا ما انتهت الجلسة، تحلّق حولي عدد من ممثلي الوفود العربية، وهم يمطرونني بوابل اسئلتهم، بعد الذي سمعوه مني خلال تلك المداخلة القصيرة!
وعندما عاتبنا منظمي المنتدى (وهم من العرب) ايضا، عن عدم اعطائهم مساحة للعراق، للمشاركة في تلك الجلسات والحوارات، وعدوا انهم سيحرصون على ان تكون للعراق مشاركات اساسية في المنتديات المقبلة، اذ من المهم جدا يُسلّط الضوء على تفاصيل المشهد العراقي بكل مفاصله.
وفي المقابل ايضا فإن الجهات العراقية المعنية، عليها العمل على رسم صورة جديدة وجميلة للعراق، لتغيير تلك الصورة المشوهة والسلبية التي رسمها الاعلام عن هذا البلد الذي واجه ظروفا في غاية الصعوبة والتعقيد، ولكنه تجاوزها، لتبدأ الحياة دورة الجديدة، وقطعا انها لن تخلو من المطبّات والمنغصات..