ماذا خسرت تركيا؟

آراء 2024/04/07
...

ساطع راجي

بعد خسارة حزبه الكبيرة في الانتخابات المحلية (31 آذار)، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بمرارة عن النتائج المؤلمة وانتقد منهج الحزب (العدالة والتنمية) في التعامل مع شكوى المواطنين من التدهور الاقتصادي واستغلال المنشقين عنه والمنضوين في حزب «الرفاه من جديد» الإسلامي لتناقض سياساته تجاه الحرب في غزة.
من الطبيعي أن تتراجع قوة وجماهيرية أي حزب سياسي في نظام ديمقراطي، ولو بالحد الأدنى من الديمقراطية، نظرا للتقلبات الاقتصادية وتغير اتجاهات المجتمع وظهور أزمات جديدة خارج توقعات الحزب وقدرته على الإدارة، ومن الطبيعي ان يراجع الحزب أسباب خسارته لكن عليه أن يكون صريحا ويحصي أيضا الخسارة التي تسبب بها للدولة وللمجتمع، فالبلاد لا يعيش فيها الحزب وأنصاره فقط.
في الحالة التركية، خسرت المنطقة كلها بسبب الأداء السيئ لحزب العدالة والتنمية خاصة عندما فرط بالفرص الذهبية لتسوية القضية الكردية في بلاده، كانت الآفاق مفتوحة لمثل هذه الخطوة وتمتع أردوغان بدعم شعبي قوي لأكثر من عشرين عاما، ولديه قاعدة شعبية كردية بين ذوي الاتجاهات الدينية، وقد خسر هذه القاعدة وحقق الحزب الكردي (المساواة وديمقراطية الشعوب)، انتصارا كبيرا ليحل ثالثا ويسيطر على معظم البلديات الكردية، كما أن المصوتين الاكراد كان لهم تأثير واضح في حسم بلديات إسطنبول وغيرها من المدن لصالح حزب «الشعب الجمهوري»، وهو ما يعني أن أردوغان خسر قاعدته الحزبية الكردية من جهة ودفع القوى الكردية المعارضة للتحالف مع خصومه في نفس الوقت.
إن القوة الانتخابية التي تمتع بها أردوغان وحزبه لأكثر من عشرين عاما كانت قادرة على إنجاز تحول تاريخي في بلاده والمنطقة، وحل واحدة من القضايا شديدة التعقيد في الشرق الأوسط ويحقق سلاما دائما في بلاده، وينهي رحلات التصييف العسكرية العنيفة في الأراضي العراقية، التي لم تحقق أي فائدة لتركيا وتسببت بأضرار وتعقيدات للعراق والمنطقة.
شاهد أردوغان بعينيه كيف تضررت حكومات العراق وسوريا من عدم حل القضية الكردية سلميا وبتسويات ديمقراطية ودفع الاكراد لحمل السلاح، لكنه لم ينتفع مما شاهده، وهو في الانتخابات الأخيرة شاهد أيضا، خاصة في إسطنبول، عينة بسيطة مما يمكن ان يفعله تجاهل القضية الكردية والاستمرار في منهج العنف والتجاهل.
لم يكن مطلوبا أو متوقعا من أردوغان أن يقبل بظهور دولة كردية ولا حتى القبول بحكم أو إدارة ذاتية كردية، لكن الافراج عن قادة المعتقلين الكرد، وفي مقدمتهم أوجلان هو أمر ممكن ويحقق الكثير من الهدوء والسلام، والتوقف عن ملاحقة وحل كل تنظيم سياسي كردي مسالم يخضع للمسار الديمقراطي في تركيا والتوقف عن زج الساسة الديمقراطيين الكرد في السجون كان سيمثل خطوة مهمة وبلا خسائر.
لقد راهن أردوغان على قدرة العقيدة الحزبية الدينية في دفع الجماهير لدعمه مهما كانت نتائج إدارته للبلاد، ولم يتوقع أن يكون الجمهور ملتزما بالفعل بالكلمتين اللتين يستخدمهما إسما لحزبه «العدالة» و»التنمية»، وهما مطلب كل المجتمعات وأما العقائد الحزبية فهي ليست سوى وسائل إليهما ويتم التخلي عن الوسائل عندما لا تحقق المطالب.