إيران الجريحة.. من يفك شفرات ردها على الثور الهائج في إسرائيل؟

آراء 2024/04/07
...

محمد صالح صدقيان

إيران الرسمية سارعت بعد ساعات من الهجوم علی سفارتها بدمشق بعقد اجتماع لمجلس أمنها القومي رأسه الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي لدراسة الموقف واتخاذ اللازم، استنادا للتطورات والاجواء المحلية والاقليمية والدولية؛ حيث ناقش الرسالة التي استلمتها طهران من واشنطن والتي قالت فيها بانها لم تكن منخرطة في الهجوم ولم تكن علی علم به
 تصعيد كبير وخطير أقدم عليه الكيان الإسرائيلي عندما استهدف مبنی السفارة الإيرانية بدمشق في الاول من ابريل/ نيسان الجاري، والذي راح ضحيته قائد قوات المستشارين الإيرانيين المتواجدين في سوريا العميد محمد رضا زاهدي ونائبه العميد محمد هادي حاجي رحيمي مع خمسة آخرين من المستشارين. هذه العملية اربكت الوضع الإقليمي الذي هو اصلا غير مستقر لجهة طبيعة الرد الإيراني، وما هي الآليات التي تفكر بها طهران، من أجل الرد علی الكيان وعلی استهدافاته المتكررة للمستشارين العاملين في سوريا.
في الداخل الإيراني سمعنا اصواتا تفكر بصوت مرتفع بضرورة الرد القوي والحاسم، لأن عدم الرد بالشكل المناسب علی إيران يعني الانتظار لاغتيال مسؤوليها وقادتها داخل العاصمة الإيرانية طهران علی حد تعبير محلل الشؤون الدولية الدكتور مهدي خراطيان للتلفزيون الإيراني الرسمي. وفي مقابل ذلك يعتقد المحلل السياسي للشؤون الاقليمية الدكتور رضا صدر الحسيني أن الرد يجب ألا يكون متهورا ومتسرعا، وإنما يجب أن يكون في اطار عقلاني لأنه لا توجد هناك ضرورة اصلا في رد سريع غير محسوب النتائج؛ مشيرا في ذلك للعمليات العسكرية التي تقوم بها فصائل المقاومة، ضد الكيان في داخل الاراضي الفلسطينية وخارجها.
إيران الرسمية سارعت بعد ساعات من الهجوم علی سفارتها بدمشق بعقد اجتماع لمجلس أمنها القومي رأسه الرئيس الإيراني ابراهيم رئيسي لدراسة الموقف واتخاذ اللازم، استنادا للتطورات والاجواء المحلية والاقليمية والدولية؛ حيث ناقش الرسالة التي استلمتها طهران من واشنطن والتي قالت فيها بانها لم تكن منخرطة في الهجوم ولم تكن علی علم به؛ وقد اتخذ عدة قرارات تعلقت بالمجال السياسي والميداني في الوقت الذي طلبت فيه من مجلس الامن الدولي الانعقاد لبحث شكوی تقدمت به إيران، لإدانة الكيان الذي استهدف مقرا دبلوماسيا خلافا للمواثيق والأعراف الدولية.
وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان نقل ان وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير السويسري لدی طهران بعد منتصف ليل الاثنين وسلمته رسالة «مهمة» موجهة للجانب الامريكي، تعلقت باجواء وظروف الهجوم علی السفارة الإيرانية بدمشق ؛ ويبدو ان هذا الاجراء جاء بعد اجتماع مجلس الامن القومي و»تقدير الموقف» الذي تبناه المجلس المذكور بشان الاستهدافات الإسرائيلية للمستشارين الإيرانيين في سوريا، والتي كان آخرها السفارة الإيرانية بدمشق.
في النصف الثاني من شهر اكتوبر الماضي تولدت لدی طهران قناعة أن رئيس وزراء الكيان بنيامين نتنياهو يهرف لتوسيع نطاق الحرب بالشكل الذي يتم فيه استدراج الجانب الإيراني ليكون في مواجهة مباشرة مع الجانب الامريكي، الذي سيدخل الحرب فيما اذا دخلتها إيران؛ وبالتالي فانها اتخذت موقف يدعو الی عدم ضبط ساعتها علی التوقيت الإسرائيلي الذي يضعه نتنياهو؛ وقد سارت إيران في اطار هذه القراءة منذ 7 اكتوبر الماضي حتى الاول من ابريل/ نيسان الجاري. الان هل ان إيران تفكر باعادة صياغة قناعتها ؟ هل تريد وضع قواعد اشتباك جديدة ؟ وهل تری من الضروري الرد بشكل مباشر وسريع لاعادة الاعتبار لموقفها ؟.
قبل فك رموز وشفرات هذه الاسئلة لا بد من القول إن عمليه الاول من ابريل احرجت القيادة الإيرانية، فإن هي ردت مباشرة انزلقت لوضع خطير يجب أن تتحمل عواقبه السياسية والأمنية والعسكرية؛ وإن هي وقفت مكتوفة الايدي فان ذلك يضعها في دائرة التساؤل ليس علی صعيد المنطقة، بل حتی علی المستوی الداخلي الإيراني خصوصا، وأنها توعدت الكيان مرات عديدة بالرد القاتل والحاسم، اذا ما تعرضت مصالحها للخطر.
بعد أكثر من ستة اشهر ونحن نقترب من نهاية الشهر السابع، لم يستطع رئيس وزراء الكيان ولا حكومة الحرب، التي شكلها من تحقيق اي من الاهداف التي وضعها بدخوله قطاع غزة؛ فلا هو استطاع القضاء علی حركة حماس؛ ولا هو استطاع تفكيك عناصر القسام، حيث ما زالت الرشقات الصاروخية تنطلق من شمال قطاع غزة؛ ولا هو استطاع ان يحقق الهدف الاستراتيجي باطلاق سراح الرهائن المحتجزين لدی حركة حماس. أزيد علی ذلك تنامي وتصاعد الاحتجاجات داخل الكيان والتي تطالب بوقف إطلاق النار والدخول بجهد سياسي لإطلاق سراح الرهائن؛ اضافة الی الضغوط الدولية الداعية لوقف اطلاق النار حتی أن التنسيق الإسرائيلي الأمريكي، يصيبه التصدع ما دعا الجانب الامريكي عدم استخدام حق النقض الفيتو علی القرار 2728 الصادر من مجلس الامن الدولي. مثل هذه الأوضاع تجعل من نتنياهو ثور هائج مفترس لايفكر باي شيء سوی بإعادة ماء وجهه الذي مسح بأرض غزة.
واستنادا علی ذلك فمن غير المستبعد ان يقدم علی فعل امني أو عسكري غير متوقع ضد إيران التي يعتبرها العدو، الذي يقف امامه خصوصا بعد استضافتها لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس اسماعيل هنية وامين عام حركة الجهاد زياد النخالة.
في الجانب الامريكي لايخلو الفعل الإسرائيلي من احراج للبيت الابيض أن علی مستوی ارتفاع اعداد الضحايا والمجاعة، التي يشهدها القطاع أوعلی صعيد استهداف عمال الاغاثة وانتهاك المواثيق الدولية ؛ خصوصا وان من يجلس البيت الابيض راهنا يرفع راية حقوق الانسان وشعارات الدفاع عن الحريات والديمقراطية. ولو كان مايفعله الكيان قد فعلته اي دولة أو نظام سياسي في العالم لكان قد وضع في اقسی العقوبات الاقتصادية والسياسية والامنية؛ وعلی لائحة الارهاب؛ وارهاب الدولة؛ والفصل السابع والخطر علی السلام العالمي والی آخر هذه القائمة من العقوبات، التي لمسناها علی انظمة متعددة؛ ولصدرت بحقه قرارات مجلس الامن الدولي الموضوعة علی الدرج؛ لكن الكيان الإسرائيلي يبدو هو فوق القانون وغير مشمول بهذه الفاتورة من العقوبات.
وعودة لفك شفرات الرد الإيراني، فالاعتقاد السائد أن إيران لن تقدم علی اي خطوة غير محسوبة النتائج وانها تقرأ الوضع بعقيلة غير متهورة خصوصا، وأنها تملك أوراقًا اقليمية متعددة، وان الكيان ليس في احسن حالته وانما في وضع لا يحسد عليه، ولم يمّر بمثل الظروف التي يمر بها منذ العام 1948 وحتى الآن.
المشهد الذي أراه أن الساعة لم تأتِ بعد؛ وإن إذلال الكيان يحتاج للمزيد؛ وما كان يطبخ للآخرين من الدول الإقليمية، يجب أن يذوقه الكيان الآن؛ وما زالت جميع الاحتمالات مفتوحة علی مصراعيها خصوصا مع استمرار العدوان علی غزة.