المجتمع الفرعوني بوصفه وعياً اجتماعياً.. عند السيد محمد باقر الصدر

آراء 2024/04/08
...








 د.يحيى حسين زامل


المقدمة :

يجري الكلام في هذا المقال عن ثلاثة مفهومات متداولة فيه (المجتمع، المجتمع الفرعوني، الوعي). وهذه المفهومات هي مفاتيح للدخول إلى جوهر الموضوع بصورة كليّة وشاملة، في استذكار آراء وأفكار السيد "محمد باقر الصدر"، المطروحة في الساحة العلمية والفكرية والثقافية التي تناولت "المجتمع الفرعوني"، بوصفه وعيًا اجتماعيًا وبعدًا دلاليًا ورمزيًا، بعد أن توسعت ابحاثه في المجالات المعرفية المختلفة، وتساؤلاته الجريئة عن جوهرية "البنى الاجتماعية" التي هي الحيز، أو المجال لتطبيق الممارسة الدينية التي تحتاج إلى نسق اجتماعي ومكاني وزماني. 


المجتمع الفرعوني:

يأتي تعريف «المجتمع» بصورة أولية حسب «كريغ كالهون»، لوصف كل من الظاهرة العامة للحياة الاجتماعية، والوحدات النوعية التي تنتظم فيها الحياة الاجتماعية.

وهكذا تعيش الكائنات البشرية في مجتمع حيواتها اجتماعية وتشتمل على علاقات بالآخرين . 

(معجم العلوم الاجتماعية ،ص 533). 

وعلى وفق هذا التوصيف يمكن أن يكون المجتمع منتظما ومفتوحا على الآخرين لاسيما في محاولته للتفاعل مع الظروف المحيطة، وما يجري فيها من تشارك وتواصل.

بينما يكون «المجتمع الفرعوني» ، بحسب «السيد الصدر»، على عكس ذلك تماما ، فالفرعونية تسعى وبكل ما عندها لتحطيم المجتمع، وقتل وحدته، وتشتيت جماعته، لكي تسهل السيطرة عليه والتسلط على ثرواته ، فالهداية المرجوة من الوجود الاجتماعي وما يتبناه من فكر تنقلب إلى ضلال وضياع بتأثير اﻷفكار المنحرفة، والادعاءات الباطلة والاعلام الضخم الموجه لتسفيه عقول الناس وسلبهم رشدهم ، والعزة المرجوة من المجتمع تتحول إلى هم وكرب يعيشه كل فرد فيه، وما يحيط به من تهديدات مستمرة لكرامته وحقوقه وحريته في الفكر والكلام والسلوك، وربما تصل الحالة إلى أن يكون الوجود الاجتماعي بوجود المستكبرين مصدر خطر وتهديد ، وتتحول وظيفة المجتمع التكافلية والوحدة والتآلف إلى تشتت وتفرقة وتطاحن، وصراعات طائفية ومذهبية واقليمية وعرقية (مجتمعنا، ص23).

 وحسب  ذلك فالمجتمع الفرعوني مثال للمجتمع المتمرد على الثقافة والحضارة اﻹنسانية والفطرة السليمة، التي جبلت على التآزر والتكافل والتضامن الاجتماعي. 


الوعي الاجتماعي :

إن الوعي بالمجتمع الفرعوني بطبقاته ووجوده هو الكفيل بتفكيكه ، ﻷنه بحسب «دورتيه»  هو الإنتباه ، وبهذا المعنى فإن كون المرء واعيا يعني انه «حاضر في العالم»، وهذا الإنتباه ليس خاصا باﻹنسان وحده فقط ، فثمة تصور ثالث لكلمة الوعي ، وهو يكمن في فعل «التفكر» ، أي تداول اﻷفكار والتمثلات العقلية بشكل عقلي.

( معجم العلوم الانسانية، ص 1128). 

على أن الوعي يمثل حالة من الاستشعار بالوجود والتبصر بشؤون الحياة والعالم  والمجتمع، والتفكر به من جهة ما يصيبه من امراض ومشكلات وتهديدات اجتماعية وإنسانية. 


فئات المجتمع الفرعوني:

ويقسم «السيد الصدر» ، المجتمع الفرعوني إلى ست طوائف متنوعة. 


أولها : الظالمون المستضعفون: وهؤلاء ينقسمون بحسب وعيهم ودرجة فهمهم وتمييزهم للحق والباطل، وهؤلاء  بسبب الظلم العام المنصب على المجتمع  المتمثل في سلب جميع الحقوق الإنسانية وخصوصًا في الفكر والحرية والكرامة والمال ، ينقلب ميزان فهمهم للحقيقة فيتهيأ لهم إن الحق والمستقبل مع القوي، فيتجهون إلى فرعون ايماناً به واسناداً لخطه ، وتثبيتا لنظامه، أملاً في الحصول على مكاسب دنيوية عاجلة تؤمن لهم جانباً من رغد الحياة وقادم ايامها. 

 مجتمعنا ، ص 77 ).


والطائفة الثانية : المتملقون: وهم أولئك الذين قد لا يمارسون ظلماً بايديهم بالفعل ، ولكنهم دائما وابداً على مستوى نزوات وشهوات ورغبات فرعون.

(المدرسة القرانية، ص177). 

والطائفة الثالثة : الهمج الرعاع ، وابرز ما يميز هذه الفئة  هو اتباعهم لهوى انفسهم وشهواتهم، لدرجة يفتقد فيهم الرشد، ولا يعود المنطق والدليل والبرهان من الحجج التي يعتمدها فكرهم وسلوكهم واعمال عقلهم ( مجتمعنا، ص87). 


الطائفة الرابعة : الظالمون أنفسهم ، وهم أولئك الذين يستنكرون الظلم في أنفسهم ، ولكنهم يهادنونه ، فيعيشون حالة من القلق والتوتر في أنفسهم ، وهذه الحالة ابعد ما تكون عن حالة تسمح للإنسان بالابداع والتجدد والنمو على ساحة علاقات الإنسان مع الطبيعة ( المدرسة القرانية ، ص 180). 


والطائفة الخامسة : الهاربون من الحياة ، ومن مسرح الحياة الاجتماعية ، المنعزلون عن الناس زهداً وتعففاً وتقوى ( كما يدعون) ، هم في الحقيقة هاربون من المسؤولية . ( مجتمعنا، ص98). 


والطائفة السادسة:  المستضعفون في اﻷرض،  والاستضعاف في المفهوم القرآني هو حالة الضعف الظاهري في حياة اﻹنسان احتواه بسبب الظلم والجور والتسلط من جهة المستكبرين ، وتجريدهم الناس حقهم في السياسة والاقتصاد والفكر، وهو مذموم في القرآن ما دامت الوسائل الشرعية قائمة والسبل مشرعة للوصول إلى الحقوق المسلوبة، ولو كانت تلك السبل صعبة وشائكة ( مجتمعنا، ص 106 ). 

ويمكن أن تبدل هذه الفئات من «المجتمع الفرعوني» موقعها من خلال تبدل علاقاتها نتيجة وعيها ، إذ يكون الوعي هو الفيصل والحاكم في تلك التحولات في المواقع وزوال الظلم من المجتمع. في الخاتمة  يكمن إبداع «السيد الصدر « في إثارته الوعي بالمجتمع والثقافة الحاكمة، الذي اطلق عليه الفرعوني، التسمية المنبثقة من نَفَس القرآن ونصوصه  المنثورة في السور والآيات المنسجمة مع الموضوع، في عملية تجزئة وتقسيم لطبقات هذا المجتمع المنسلخ من المجتمع الرئيس، المتسم بنمطية مائزة، والمتشكل مع السنن التاريخية والاجتماعية بحسب المفهوم القرآني ، ولا يخفى أن هذه التقسيمات تحمل ابعادًا اجتماعية ودلالات رمزية تفسر بنى المجتمع الحاضر المعاش، أي أنها  تساؤلات تثير حفيظة السلطة الفرعونية الحاضرة، وإن كانت باستعارة ماضية، وهذا ما يعطيها قوتها وزخمها في الاطار الفكري والاجتماعي والسياسي.