هل أنت متعصب؟

آراء 2024/04/14
...

  رعد كريم عزيز


لا يسلم من الاتهام بالتعصب الا القلة القليلة من البشر، لا سيما إذا نشأ في بيئة لا تناقش ولا تهتم بمعرفة أصول الأشياء، لذا فان السكة مهيأة لكي تمشي عليها الأفكار والعادات والسلوك، وكأنها منزلة بكتاب لا يمكن أن تعبر سطوره أو بالأحرى سطوته.

وما يحدث في العراق الآن من تعصب وإن كان مخفيا عند الكثير، فإنه يؤثر في السلوك اليومي المعاش في العمل والبيت والشارع، وقد يبرر بعضهم ذلك لأن العراق دخل مرحلة الاقتتال الطائفي والمناطقية والتحزب، المقيت مما خلف الكثير من العادات والأفكار، التي نقلت الانسان من التفكير الحر إلى التفكير الضيق.

ولكي نكون أقرب للواقع علينا ان نفحص تعبير (الفترة السابقة) و(وجيل الطيبين) وكأن الماضي افضل من المستقبل، ونتيجة الفحص تشير إلى أن الانسان يحب الماضي لأنه ينسى الألم والمعاناة بمجرد ان تعبر الأيام إلى الحاضر، وهذا يمثل قمة الاستسلام لعدم التفكير الواعي وما احوجنا اليه لكي نسير بخطوات واقعية ترافق تطور الحياة.

الان لدينا وسائل اتصال تجعلك تتحكم بكل مفاصل بيتك عن بعد بالهاتف المحمول، وبذلك لا تحتاج إلى الاستعانة بجارك كي يفحص الباب إن كان مغلقا أم أنك نسيت إغلاقه. ولدينا إمكانية أن نوجه الموبايل باتجاه الطائرة، التي تعبر فوق رأسك وتعرف من خلال برنامج فيه ماهي نوعية الطائرة وعدد الركاب والى أين تتجه رحلتها. وبذلك تخلصت من الاتهام بالتلصص على تحركات الدولة ولا تتهم بالجاسوسية.

والمكنسة الكهربائية التي تسير في البيت دون صوت يذكر وهي تنظف الأرضية بكل أريحية، وبذلك تخلصت من عتب الزوجة وهي تقول انها تتعب أكثر منك رغم أنك تعاني الكثير من المشاكل في العمل.

نسوق هذه الأمثلة لكي نشير إلى التحولات في حياتنا الراهنة، لكن ما تعودنا عليه في البيت والشارع سابقا لا يتغير لأننا تعلمناه في الصغر من جدتنا، التي لا تقرأ ولا تكتب فصارت الحياة عبارة عن الحياة مع الأقارب أفضل من (الغرباء)، مع أن الغرباء صنعوا لنا كل تلك الأجهزة المتطورة، وجعلونا نطير في الجو ونرى صورة احبائنا على بعد آلاف الكيلومترات ونسمع صوتهم.

لا بل ان التعصب يأخذ مديات أكبر اتساعا، لا سيما للذين يسعون بكل قوتهم للحصول على اللجوء من دول أخرى، وحين يتم الامر ويحوزون على الجنسية الجديدة، فإنهم ينتقدون الدول التي يسكنوها ويصل الامر إلى التقاطع والنفور من كل عاداتهم رغم انهم فتحوا الاذرع لاستقبالهم وما تعصبوا عليهم، بل احترموا خصوصياتهم إلى ابعد الحدود.

برأي ان الامر لا يحتاج إلى النوم في تذكر الماضي، بل يحتاج إلى الوعي وتفسير الحاضر وفق ما نلمسه من علاقات اجتماعية تبعدنا عن العشائرية والطائفية والعرقية، وهذا الامر صعب جدا ويحتاج إلى مران كبير حتى نستوعب ما يجري حولنا.

وهذا الوعي يحتاجه الصغار منذ نشأتهم الأولى كي يصبحوا من الأشخاص الذين يفكرون بحرية، والتزام، ومحظوظ من حاز على قدوة يرشده عمليا في المدرسة أو في البيت، كي يصبح قادرا على استغلال قدراته البشرية في سلوك إيجابي.

وهذه الدعوة لا تعني اهمال الخصوصية والانتماء للمكان والبشر والتجارب، ولكننا نحتاج أن تنذكر أن الاخرين يملكون خصوصية كذلك وعلينا احترامها كي تتوازن الحياة في مسار يطمح له الاسوياء، بعيدا عن مطامح السياسية التي يقولون انها تبنى على المصالح فقط.

عن نفسي لست متعصبا لما طرحت من أفكار لأنها قابلة للنقاش.. بدون تعصب.