حمزة مصطفى
مضى على العملية السياسية في العراق عقدان وأقل من نيف من الزمن. هذا يعني بلوغها سن الرشد الذي يجعلها قادرة على تحمل المسؤولية، مسؤولية بناء الدولة والإنسان معا.
لكن هل حصل شيء من ذلك بحيث يجعلنا نطمئن بأن هذه العملية السياسية إن لم تتمكن حتى الآن من بلوغ هذا الهدف فإنها حاولت؟ وطالما أن الإجابة القاطعة إنها لم تتمكن من تحقيق الهدف، الذي تقول جميعها بمختلف تسمياتها ومسمياتها إنها تسعى للوصول اليه، فإن السؤال الذي يبقى مطروحا هو.. متى يمكن أن يحصل ذلك؟
إذا أردنا الركون إلى لغة الأرقام، أرقام الفساد المالي.
أرقام الهدر المالي. أرقام التنمية الضائعة. أرقام الصادرات النفطية، أرقام الاستيرادات لكل شيء من «الخيط للمخيط» نصل إلى نتيجة سلبية تماما بحق هذه الطبقة السياسية، التي تقود العملية السياسية عبر أحزاب تتناسل مسميات وتسميات وعناوين وعناوين مضادة إلى.. كطع النفس.
صحيح أن الحياة الديمقراطية في العراق بعد نظام شمولي بحزب واحد وقائد واحد وزعيم واحد لم تستقر عند صيغة معقولة، من حيث التعددية الحزبية القادرة على الإستقطاب الكلي للناس عبر مسميات عامة بقدر ما فيها من الشمولية من حيث التسمية تتضمن أيضا قدرا من التخصيص، من حيث التوجهات والمآلات بمحتوى أيديولوجي مقنن أو عام، لكنه ليس فضفاضا فإنها في الوقت نفسه لا يبدو أنها تتجه نحو التقنين وضبط الإيقاع طبقا لقناعات الجمهور.
فنحن لم نصل بعد ويبدو أننا ما زلنا بعيدين عن الوصول إلى ما أريد قوله وهو الانتماء إلى مشاريع سياسية بتوجهات كلية، كأن تكون اشتراكية، ديمقراطية، مدنية، علمانية، وبالتالي يكون الطابع السائد لأحزابنا وهي ذات بعد مكوناتي في الغالب هي الانتماء إلى المكونات ولو بتسميات جديدة أو مقترباتها.
فعلى الرغم مما يشاع من تسميات أو توجهات كلية على صعيد التحالفات السياسية، فإنها في النهاية ذات مرجعيات مكوناتية. فالتحالف الثلاثي الذي قاده زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر قبل أن يلغي التسمية الصدرية، ويستبدلها بالتيار الوطني الشيعي مؤخرا كان تحالفا مكوناتيا (جمع شيعة وسنة وكرد) من أجل تشكيل حكومة ذات أغلبية وطنية. في مقابله كان هناك تحالف مكوناتي (الإطار التنسيقي الشيعي) الذي تحالف مع مكونات تمثل ضد نوعي لسنة وكرد التحالف الثلاثي تمكنوا عبر الثلث المعطل من إجهاض تشكيل تلك الحكومة.
وبعد فشل التحالف الثلاثي ومع تعدد التسميات والمسميات وولادة تسميات جديدة تناسلت من نفس الأحزاب والقوى تشكلت الحكومة الحالية التي يقودها تحالف مكوناتي (الإطار التنسيقي الشيعي ناقصا التيار الصدري) مع تحالف مكوناتي يضم الكرد والسنة تحت مسمى (إئتلاف إدارة الدولة).
تسمية أخرى مراوغة فيها قدر من الهرب في مواجهة التسميات خصوصا في ظل غياب التيار الصدري الذي تتحسر على عودته بعض قوى إئتلاف إدارة الدولة سيما الكرد والسنة، بهدف تحقيق التوازن الذي لم يتحقق من وجهة نظرهم على صعيد ماقد إئتلفوا من أجله.
المفاجأة التي كان يتوقع الجميع نصفها هي عودة التيار الصدري وقد كانت هناك مقدمات له، لكن ما لم يكن متوقعا هي التسمية التي قرر الصدر العودة تحت عنوانها هذه المرة وهي «التيار الوطني الشيعي».
نحن هنا لسنا حيال مسمى جديد، بل حيال واقع جديد سيفرض خيارات جديدة ويضعنا جميعا أمام سؤال المستقبل.. وماذا بعد؟