برندان كول
ترجمة: بهاء سلمان
قبل إعلان فوزه مؤخرا بالانتخابات الرئاسية في روسيا، صور فلاديمير بوتين الشهر الماضي أولويات الموازنة من الآن ولغاية العام 2030، وهي مدة حكم أطول بنحو عام عما خطط له جوزيف ستالين بخمس سنوات، والذي يتهيأ لأن يكون سجل فترة حكمه كزعيم للكرملين متفوقا على الآخرين، خاصة مع كونه متيّقنا من الفوز بالانتخابات. وبينما لم يوظف بوتين خطابه لهذه السنة للإعلان عن أي قفزات كبيرة إلى الامام، فقد أبلغ الجمعية الإتحادية الروسية عن المشكلات الاجتماعية أكثر مما فعل فيما يخص الحرب مع اوكرانيا. وشملت هذه الخطط معالجة الأزمة الديموغرافية، مع تصريح الزعيم الروسي برغبته ايصال متوسط العمر المتوقع في روسيا بحلول العام 2030 إلى 78 سنة، والذي سيكون عمره إذا ما بقي لنهاية ولاية الحكم الحالية، والتي يشير إليها الخبراء باحتمال أن تشهد حالات ركود اقتصادي أضخم، وسط اقتصاد حربي يسعى للاستيلاء على اوكرانيا.
ويشير سعر الصرف البالغ نحو تسعين روبل للدولار أن الخطط الانفاقية لبوتين ستحوي على الكثير من الأصفار، وصولا إلى 15 ترليون روبل، 164 مليار دولار، من الآن لغاية العام 2030، وفقا لبيانات بلومبيرغ. وتتضمن هذه الانفاقات ترليون دولار، نحو 11 مليار دولار، للمستشفيات، وأربعمئة مليار روبل، نحو أربعة ونصف مليار دولار، تخصص للمدارس ورياض الأطفال، مع بلد يبلغ تعداد سكانه نحو 140 مليون نسمة.
الاقتصاد الداخلي
“يعد العام 2024 أول سنة منذ العهد السوفييتي حينما كانت الموازنة العسكرية وموازنة الشرطة مجتمعة، وهي أكبر من الموازنة الاجتماعية،” كما يقول المعارض السياسي الروسي “الإكسي مينيالو”، الذي يرى إن الدفاع سيأخذ قيمة ثلث الانفاق الحكومي الروسي لهذا العام، مضيفا أن بوتين يعلم بأن الشعب أصابه الملل من الحرب، فالقليل من الروس لديهم موقف ثابت من دعم الحرب، ويريدون من الحكومة التركيز على الشؤون الداخلية.”
وكان مينيالو من بين مؤسسي “كورنيكلز”، وهي مجموعة من علماء الاجتماع تنفّذ استبيانات مستقلة، توصلت خلال كانون الثاني الماضي إلى أن اغلب الروس، 83 بالمئة منهم، يريدون من بوتين والحكومة التركيز على الشؤون الداخلية. وعلق مينالو بالقول: “يسحب بوتين المزيد من الناس إلى جبهات القتال، جالبا المزيد من الناس للاقتصاد العسكري، ليجعل الاقتصاد الداخلي يعاني جراء هذا الحال.”
وظف بوتين خطابه الشهر الماضي ولقاء ظهر قبل عدة أيام عبر وكالة نوفوستي الحكومية ليشجب الغرب. وفي اللقاء التلفزيوني، قال إن روسيا مستعدة لاستخدام الأسلحة النووية، وانّتقد بقسوة الانتخابات الاميركية، التي من الممكن أن تشهد عودة دونالد ترمب إلى البيت الأبيض وسط تداول قصص عن ارتباطات الأخير مع الكرملين.
“الجانب الأكثر عصفا وعواقب للنتائج هو ما سيحصل في الانتخابات الأميركية لهذا العام 2024،” بحسب “كين اوسغود”، أستاذ التاريخ بجامعة كولورادو، منوّها إلى الإشارات التي يرسلها ترمب وجناح ماغا (MAGA) داخل الحزب الجمهوري لانهاء الحرب في اوكرانيا بسرعة؛ ويضيف: “ ان انسحاب الدعم الأميركي مع فرض ضغوط على اوكرانيا للتفاوض سيعني انتصارا لبوتين؛ وحتى لو ظل مسيطرا فقط في المنطقة التي يحتلّها حاليا، سيزعم الرئيس الروسي بأن النتيجة تمثل نصرا بارزا. وسيتم استشعار عواقب مثل هذا النهج على مدى سنوات.”
آمال السنوات المقبلة
“هل هذا معناه بأن بوتين سيغزو بولندا أو يشن حربا على الناتو؟ هذا الأمر غير مرجح بشكل كبير. حتى لو تتخلى الولايات المتحدة عن الناتو، فسيبقى تحالفا ضخما ولديه ترسانة نووية؛ وأي هجوم مباشر من الذي يحفّز ردا هائلا سيمثل تصرفا طائشا.” مع ذلك، من المرجح أن يطلق بوتين تكتيكات حرب سيبيرانية ومعلوماتية استفزازية للتحريض على فرض انقسامات دخل التحالف، بحسب اوسغود، الذي يستطرد قائلا: “من المرجح أن يحاول بوتين تعزيز حظوظ السياسيين من أصدقاء روسيا، مثل “فيكتور اوربان”، رئيس وزراء المجر، ودعونا نكون صريحين: “دونالد ترامب”.”
أما “جون لوف”، الزميل المشارك لدى برنامج روسيا واوراسيا التابع لمؤسسة تشاثام هاوسس لتقديم المشورة، فيعتقد أن ست سنوات أخرى من حكم بوتين ستشهد أن البلد سيصير “أكثر انعزالا”؛ ويضيف: “من وجهة نظر الكثير من الروس فإن شيئا ما سيكون أكثر وضوحا ربما على مدى السنوات الخمس إلى العشر المقبلة. ويتمثل أمل بوتين بتصدع الغرب مستقبلا، وامكانية إستخلاص النصر من أي نوع على اوكرانيا.”
ومن المحتمل أن تباعد الولايات المتحدة عن اوروبا والناتو الأقل تأثيرا سيمثل مجالات “بلا شك سيشيرإاليها كنتاج لجهوده، لكن هذا البلد قد يصبح أكثر انعزالا وغير جذاب بشكل كبير،” كما يضيف لوف. وبوصفها “هراء محض”، رفض الرئيس بوتين مزاعم الرئيس الأميركي بايدن من وجود طموحات لدى الرئيس الروسي بدول أخرى بالإضافة الى أوكرانيا، لكن ليس من الواضح ماذا ربما سيقدم الرئيس لشعبه كنصر إذا ما توقفت الحرب.
“لا اعتقد أن بوتين يريد ضم كامل اوكرانيا طالما أن التكاليف باهظة للغاية،” كما يقول “ميتيك بودوزينيسكي”، وهو دبلوماسي أميركي سابق عمل كمستشار لسياسات البنتاغون، ويضيف: “بدلا من ذلك، سيسعى بوتين للحفاظ على المناطق الاوكرانية التي تسيطر روسيا عليها حاليا كونها تمثل جيوب روسية، وبالتالي يأمل بإبقاء اوكرانيا مقسمة وضعيفة وتقل فرصها في الانضمام إلى حلف الناتو والاتحاد
الاوروبي.”
“لا اعتقد بوجود رغبة لدى الزعيم الروسي بالشروع في حرب تقليدية ضمن نطاق كامل مع الناتو، بيد أنه يريد الاستمرار بإيجاد وسائل لدق إسفين داخل التحالف، وتوظيف أدوات مثل نشر معلومات مضللة وهجمات سيبيرانية لشن حرب بديلة على دول الناتو،” بحسب بودوزينيسكي، الأستاذ المحاضر لدى جامعة بومانا في كاليفورنيا.
مجلة نيوزويك الاميركية