بريق المعماريَّة زهاء حديد في باكو

فلكلور 2024/04/16
...

 باكو:  يارا محمود

يقال إن المعماريين العرب هم الأفضل في العالم من حيث تصميم أشكال المنحنيات الهلاميَّة، وهذه مسألة لافتة تتجذرُ أصولها في تراث إبداع العرب في فن الخط العربي بمنحنياته العديدة، وقد يكون ذلك من ضمن العوامل التي منحت روح الإبداع لابنة بغداد التي تعد قصتها من أكثر القصص الملهمة للنساء عربياً وعالمياً.

أشهر المعماريات

زهاء حديد لم تحبذ البناء الكلاسيكي والتطبيقات المعماريَّة الثابتة، فابتكرت فلسفة غير مسبوقة، تكسر الحواجز، وتحتضن العالم بعين فنان وروح ملهمة، ما جعلها فنانة معماريَّة عالميَّة، لا تذهب إلى بلدٍ من بلدان العالم، في أوروبا، أو في آسيا، أو في العالم العربي، من دون أنْ تجدَ ما أنشأت من جمال. فأعمالها، في أي مكان، هي متاحف في الهواء الطلق، وتجريب في الشكل والمادة، وفي المحتوى.

ولعلَّ البقاء خارج هذه المباني، والنظر إليها في ضوء الشمس، أو ظلمة الليل، لا يكفي لاكتشاف هذه الأعمال الفنيَّة المعماريَّة، ما لم تدخل إليها، لتكتشف ما يربط الداخل بالخارج، أو العُمق بالسطح. وهذه من خصال ابتكاراتها، فعمارتها تشبه متاهة، من يدخلها عليه أنْ يعرف كيف يتحرك فيها، وكيف يستمد من جمالها طاقة

إيجابيَّة.


ملكة المنعطفات

زهاء حديد ليست مهندسة معماريَّة فحسب، بل هي فنانة تشكيليَّة معماريَّة، من الفنانين السرياليين والتكعيبيين الكبار، الذين كانوا يميلون إلى الأشكال الهلاميَّة، أو ما لا يمكن تحديد هويته أو شكله بسهولة، بمقارنته بغيره مما يوجد في الطبيعة، فالهويَّة والشكل عند زهاء حديد، يجسدان الابتكار، بما تضيفه أشكالها على الفضاء من إبداع.

ما نريد التوصل إليه من أنَّ المعماريَّة زهاء حديد خضعت كفنانة مبدعة إلى كل هذه المدارات التي شكلت العمارة على مرّ الأزمنة، ما أكسبها خبرة، ليس في تحقيق عمارة إبداعيَّة موازية وإنما لما تجده أكثر انفتاحاً على المستقبل. فما كان منها سوى النظر إلى المرونة في الإنشاء، سبيلاً لتحقيق رؤيتها. وقد كشف عن ذلك معظم المعماريين، وهم يراقبون فلسفتها تنتشر في أرجاء العالم، مثيرة تساؤلات واعتراضات ووجهات نظر، من باب الإصرار والتمسك بالموقف المتمحور على الاستمرار في التجديد والابتكار.


950 مشروعاً في 44 دولة

ومن بين تلك الأعمال الإبداعيَّة مركز حيدر علييف الثقافي في العاصمة الاذريَّة باكو، أحد المراكز الثقافيَّة المشهورة عالمياً، نالت عن تصميمه جائزة متحف لندن للتصميم لعام 2014.

يعدُّ بناء المركز من لآلئ العمارة العالميَّة ومن رموز باكو الحديثة، يتمتع بهيكل معماري فريد يجسد الحداثة والابتكار، تمَّ وضع أساس المبنى في العام 2007، وجاء افتتاحه الرسمي في 10 أيار 2012.

عندما رأى الكثير من الناس المشروع المعماري لأول مرة، اعتقدوا أنه لا يمكن تحقيقه إلا نتيجة معجزة، كان تشييد هذا المبنى غير العادي والمعقد يعدُّ بعيدًا عن الواقع، حتى من الناحية النظريَّة.

يتحدى مركز حيدر علييف الثقافي، مفاهيم الهندسة والجاذبيَّة نظراً لعدم وجود زاوية قائمة في الأفق، إذ إنَّ هيكل المبنى الذي يرتفع من الأرض إلى السماء بطريقة متموجة، ثم يهبط مرة أخرى إلى الأرض من دون استخدام الخطوط المستقيمة في تصميمه لا يجسد أسلوب الهندسة المعماريَّة ما بعد الحداثة فحسب، بل يجسد أيضًا الاستمراريَّة واللانهاية، تعمل الخطوط الموجودة على المبنى أيضًا على إنشاء اتصالٍ بين الماضي والمستقبل.

يبدو أنَّ مركز حيدر علييف الثقافي له شكلٌ كاملٌ وليس له هيكل، لكنَّ أشكاله غيرالمألوفة تخفي هندسة حديثة. يلعب إطارٌ فضائيٌّ ذكيٌّ للغاية مكونٌ من طبقتين، دوراً داعماً ينحني بسلاسة على طول الجزء العلوي والسفلي من الغلاف الخارجي، الأمر الذي يُخفي الإطار الهيكلي ويؤكد على السطح بدلاً من الهيكل، كما لو كان المبنى كله نتيجة وليس سببًا، لأنَّ الأشكال تنحني وتتموج، القمم الأماميَّة تهبطُ بشكلٍ حادٍ لكي ينحرف الجزء الخلفي مثل الهاوية، لقد تمَّ تطوير المنحنيات ذات الشكل الحر لمركز حيدر علييف الثقافي باستخدام تصميم ثلاثي الأبعاد.

إن الانسجام والتفاعل بين التصميم الداخلي والخارجي لمبنى المركز يجعل هذه المساحة في متناول الجميع ليتم توحيد أفكارهم، بغض النظر عن العمر أو العرق أو الدين، ويرمز اللون الأبيض للمبنى إلى مستقبل واضح، وبفضل اللون الأبيض، تتحرك أشعة الشمس فوق سطح المبنى وتسلط الضوء على الأجزاء المختارة.

الجزء الأكثر جاذبيَّة

يقع متحف حيدر علييف داخل المركز، ويعدُّ الجزء الأكثر جاذبيَّة وإثارة للاهتمام، والذي يعمل في اتجاه البحث والترويج والحفاظ على تراث الرئيس الراحل علييف.

يتناغم المتحف، الذي يتميز بتصميمه والتقنيات الجديدة المستخدمة فيه، مع الطراز الحديث للمركز، إذ يتمُّ عرض الجوانب المختلفة للنشاط الذي سلكه علييف خلال فترة الحكم السوفييتي وفي سنوات الاستقلال بشكل افتراضي. 

توجد قاعة خاصة مجهزة بالمعدات الحديثة تعرضُ أفلاماً عن مسيرته من خلال كرة أرضيَّة خاصة، عندما تلمس اسم أي دولة في العالم، تنعكسُ على الشاشة الاجتماعات التي عقدها خلال فترة وجوده في السلطة.

ومن بين معروضات المتحف مجموعة فريدة جدًا من السيارات الكلاسيكيَّة. كما يضمُّ المركز متحف الأزياء التقليديَّة حيث تعرض أنواع من الأزياء الوطنيَّة للرجال والنساء، فضلاً عن متحف الآلات الموسيقيَّة التراثيَّة التي يمكنك العزف عليها بتقنيَّة حديثة بواسطة الوقوف أمام الآلة لتبدأ بالعزف. 

ومن أجمل الأماكن في المركز متحف المباني المصغرة الذي يضم أهم وأبرز المباني المعماريَّة في أذربيجان.

إلى جانب مظهر المركز الاستثنائي، فهو أيضًا معرض ومجمع متاحف عالمي المستوى حيث ستجد مجموعة واسعة من العروض الدائمة والمؤقتة التي تعرض أفضل الفنون والثقافة المحليَّة والعالميَّة. 

لمركز حيدر علييف الثقافي كافتيريا أنيقة، فضلاً عن قاعة حديثة لاستضافة المؤتمرات والفعاليات الدوليَّة، أما المنطقة المحيطة بالمركز عبارة عن حديقة خضراء كبيرة، حيث يمكنك المشي والاسترخاء والابتعاد عن صخب 

المدينة.

يقترب الزوار من المبنى من خلال حديقة طويلة منحدرة تقودهم إلى المبنى الواقع على قمة تلة ترتفع بلطفٍ وبانسيابيَّة، مع سلسلة من المدرجات المتداخلة مع المسطحات المائيَّة والشلالات العاكسة تبلغ الرحلة على طول المسار المتعرج ذروتها في ساحة من المربعات الخرسانيَّة البيضاء يظهر هذا بسلاسة لبدء ملامح الغلاف الخارجي للمركز الثقافي نفسه، حيث تعمل حديد مع مقص وورقة، تقطع وتثني، وصولاً الى مقدمة الصدفة ومنها إلى مجموعة من الأبواب الزجاجيَّة التي تفتح على قاعة بيضاء.

يتميز الجزء الداخلي للمركز بأسطحٍ متواصلة تلتوي لتحول الجدران إلى أسقف وتتحول الأرضيات إلى منحدرات، بدءًا من قاعة الترحيب والتصميم الذي يتغير ذاتيًا بشكل مستمر في جميع الاتجاهات، لا يوجد إحساس يذكر بالحدود ولا توجد إشارة إلى النهاية؛ إنَّه شلالٌ يتموج في الفضاء.