سياسة ترامب تجاه إيران بلغت نقطة الخطر

بانوراما 2019/05/31
...

كولن كاهل 
ترجمة: انيس الصفار 
في 5 أيار الماضي اطلق مستشار الامن القومي الاميركي "جون بولتون" تهديداً صريحاً لإيران، فقد أعلن ان الولايات المتحدة سوف ترسل حاملة الطائرات "ابراهام لنكولن" مع مجموعة السفن الضاربة، بالاضافة الى قوة من القاذفات، الى منطقة الخليج. قال: "ذلك من اجل إرسال رسالة واضحة الى النظام الايراني لا لبس فيها بأن اي هجوم على مصالح الولايات المتحدة او مصالح حلفائها سوف يقابل بقوة لا لين فيها." ثم تابع قائلاً: "الولايات المتحدة لا تسعى الى حرب مع النظام الايراني، ولكنها على اهبة الاستعداد للرد على اي 
هجوم." 
ليس واضحاً بعد ما الذي دعا جون بولتون الى ارسال هذه القوة أو الى اللهجة الشديدة التي استخدمها. تشير التقارير الأولية الى أن ذلك ربما كان رداً على مؤشرات يستدل منها على أن هناك جماعات مؤيدة لإيران تخطط لتنفيذ هجمات على الجنود الاميركيين في العراق. 
ثمة تقارير أخرى تشير الى أن اسرائيل قد أوصلت الى المسؤولين الاميركيين معلومات مفادها أن هناك هجوماً إيرانياً وشيكاً يستهدف المصالح والعناصر الاميركية او تلك العائدة لحلفائها في الخليج. يقول مسؤول أميركي طلب عدم ذكر اسمه أن الأمر بنشر تلك القوة قصد منه تعزيز قوة الردع لما يعتقد انه تحضيرات محتملة من جانب القوات الايرانية ووكلائها يستقرأ منها احتمال وقوع هجمات على القوات الاميركية في المنطقة، بيد أن المسؤول يضيف مستدركاً بأن ما من دلائل بعد تنم عن وجود استعدادات لهجوم ايراني وشيك.
سجل بولتون الطويل في المبالغة والتلاعب بالمعلومات الاستخبارية لتبرير استخدام القوة قد يغري باستبعاد هذا الكلام بمجمله على اعتبار أنه أخبار زائفة، ولكن احتمال انزلاق إيران الى عمل استفزازي يشعل شرارة مجابهة عسكرية اوسع في المنطقة وارد تماماً وواقعي، حتى لو كانت سياسة ادارة ترامب بمحاصرة طهران والتضييق عليها هي التي ضخمت صورة الخطر واكسبته ابعاداً أكبر من واقعه.
 
اغلاق هرمز
جاء تحذير بولتون على خلفية تصاعد التوترات سريعاً بين الولايات المتحدة وإيران. فقبل عام انسحب الرئيس "دونالد ترامب" من الاتفاقية النووية التي أبرمت مع إيران في 2015 وأعاد فرض العقوبات المصرفية والنفطية الشديدة الضرر عليها بهدف حرمانها من الموارد وزعزعة وضع 
حكومتها. 
كانت لتلك العقوبات وطأة ثقيلة على الاقتصاد الايراني، بيد ان حملة الادارة من خلال تسليط أقصى درجات الضغط فشلت حتى الان في ارغام طهران على الرضوخ والتفاوض للتوصل الى اتفاق نووي جديد او تقليص مستوى دعمها للحركات المحلية المقاتلة المتهمة بالارهاب. ازاء هذا الفشل لم يفكر البيت الابيض بإعادة تقييم وضعه، بل أمعن في المراهنة على أوراقه.
ضمن مسعى منها لتضييق الخناق على إيران والوصول بها الى نقطة الانقصام، اعلنت ادارة ترامب اواخر شهر نيسان الماضي بأنها سوف تنهي العمل بالاستثناءات التي كان يسمح بموجبها للصين والهند واليابان وكوريا الجنوبية وتركيا مواصلة استيراد نحو مليون برميل من النفط الايراني يومياً.
كان الهدف المعلن للادارة هو دفع صادرات النفط الايراني، الذي يعتبر نسغ الحياة لاقتصاد البلد، الى اقرب ما يمكن من نقطة الصفر. 
ردت إيران على ذلك بتجديد تهديداتها بإغلاق مضيق هرمز، وهو الممر المائي الضيق قبالة الساحل الايراني الذي تمر عبره نحو 20 بالمئة من تجارة النفط العالمية. 
كذلك المحت اطراف من الداخل الايراني بإمكانية اتخاذ خطوات أخرى لإرباك صادرات النفط لدى كل من السعودية والامارات العربية، وهما العدوان اللدودان لطهران اللذان ناصرا حملة ترامب القائمة على تسليط الضغط الاقصى، وذلك باستهداف شحنات النفط المارة عبر مضيق باب المندب والبحر الاحمر، أو بضرب البنى التحتية الحساسة بهجمات سبرانية مدمرة. وكجزء من محاولة أميركية لتشديد الضغط اكثر على الحكومة الايرانية عمدت إدارة ترامب الى ادراج فيلق الحرس الثوري الايراني ضمن "قائمة المنظمات الارهابية"، وهذه هي المرة الاولى التي تصدر فيها واشنطن مثل هذا التصنيف بحق تشكيل داخل ضمن تكوين حكومة دولة اخرى.  وقد رد البرلمان الايراني على هذا بإقرار قانون وقعه الرئيس حسن روحاني أعلن أن جميع الجنود الاميركيين في الشرق الاوسط ارهابيون ووصف الحكومة الاميركية بأنها دولة راعية للارهاب.
 
تخطي القيود النووية
في غضون ذلك يبدو ان القادة الايرانيين عاكفون على دراسة خطوات لإعادة تشغيل برنامجهم النووي. لأن إيران كانت حتى الان ملتزمة بالقيود التي فرضتها الصفقة النووية على تخصيب اليورانيوم وباقي النشاطات، ولكنها رغم ذلك لم تحصد سوى القليل من الفوائد الاقتصادية
التي وعدتها بها الاتفاقية. 
على مدى العام الماضي كان هدف طهران حسب الظاهر هو مواصلة التدخل واستخدام الوسائل الدبلوماسية لاثارة السخط العالمي على العقوبات الاميركية بانتظار تغير الحكومة في واشنطن بعد انتخابات العام 2020. بيد ان الاجماع السياسي لدى طبقة النخبة الإيرانية المؤيدة لاستمرار الالتزام بالقيود النووية آخذ بالتفتت كما يبدو. 
فقد اشار المسؤولون الايرانيون مؤخراً الى ان ايران يمكن أن تبدأ بتخطي القيود النووية المنصوص عليها بشأن مخزونات بلدهم من اليورانيوم واطئ التخصيب أو ربما تعيد العمل بتخصيب اليورانيوم في منشأة فوردو المحصنة عميقاً داخل الارض، ومن المقرر أن يقدم روحاني اعلاناً رسمياً يتعلق بخطوات إيران اللاحقة. بل أن محمد جواد ظريف وزير خارجية ايران قال أن هناك اجنحة ضمن الطبقة الحاكمة تحث على تخلى إيران عن اتفاقية منع الانتشار النووي جملة وتفصيلاً. احتمال الاقدام على حركة جسيمة كهذه ضعيف في الوقت الحاضر، ولكن صبر إيران على الجبهة النووية آخذ بالنفاد كما يبدو.
تبعاً لذلك، ومع اقتراب الذكرى السنوية الاولى لانسحاب ترامب من الصفقة النووية مع إيران، أنتجت دوامة الفعل ورد الفعل التي اطلقتها الادارة الاميركية بسبب حملتها لتسليط أقصى الضغوط وضعاً خطيراً ينذر بأوخم العواقب .. وضعاً يتنامى فيه خطر المجابهة العسكرية مع كل يوم يمر.
ويبدو أن هناك حركة متبادلة، إذ أن الآلاف من الجنود الاميركيين وعناصر القوات التي تدعمها إيران يتحركون في وقت واحد ضمن حيز ضيق يجعلهم قريبين من بعضهم في العراق وسوريا وكذلك مياه الخليج التي تعج بالحركة. السعودية والامارات العربية من ناحيتهما تواصلان حملتهما الجوية على قوات الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن على الرغم من الغضب العالمي بسبب اسوأ كارثة انسانية شهدها العالم ترتكب هناك. كذلك تشن اسرائيل بانتظام ضربات عسكرية تستهدف شحنات السلاح والبنى التحتية الايرانية في سوريا. وسط هذه الاجواء الملتهبة ما أكثر السيناريوهات التي تصور احتمالات اندلاع حرب, بقصد أو غير قصد, بين الولايات المتحدة وإيران حتى يصعب حصرها.
 
توقف الاتصالات
متى ما أظهرت إيران أو اي من حلفائها على الضغط الاميركي رداً يسفر عن سفك دماء الاميركيين او ينزل ضربة مؤثرة بالبنى التحتية النفطية في المنطقة فإن الامور قد تفلت بسرعة من السيطرة. وخلافاً لما كان عليه الوضع في السنوات الاخيرة من عهد ادارة أوباما لا توجد اليوم خطوط اتصال عالية المستوى بين واشنطن وطهران تسمح بتدارك الازمة. كذلك هناك في الجانبين متشددون حريصون كما يبدو على جعل المعركة تقع، متحينون يتسقطون الفرص لتصعيد التوترات بدلاً من تهدئتها.
قد لا يكون ترامب نفسه راغباً في حرب أميركية أخرى في الشرق الأوسط، ولكن إذا كانت لنا من الماضي عبرة نستدل بها على ما يمكن أن يأتي به المستقبل فإن غريزة ترامب تنخسه من الاعماق لأن يرد على أي استفزاز إيراني بخطاب استفزازي عدواني (ربما عبر تويتر) يصب الزيت على 
النار. 
كذلك ليس صعباً ان نتصور كيف يمكن أن تتسبب التحركات الايرانية بضغوط سياسية شديدة من قبل المتبرعين للرئيس الأميركي من الجناح اليميني وكذلك من صقور الكونغرس والحلفاء في المنطقة (وهي القوى نفسها التي ألحت على ترامب للخروج من الصفقة الايرانية) لجعله يقدم على اجراء عسكري. أما ترامب فلم يعد محاطاً بمستشار أمنه القومي السابق "أتش آر مكماستر" أو وزير دفاعه السابق "جيمس ماتيس"، والسياسيين الآخرين الذين يمتازون بأنهم أهدأ نزعة من الحاليين. فالرئيس اليوم محاط من كل مكان بمستشارين، من أمثال جون بولتون ووزير الخارجية "مايك بومبيو" اللذين كانا يزعقان منذ وقت طويل بضرورة شن الحرب على إيران.
في واقع الامر يبدو أن مستشاري ترامب يتدارسون هذا الاحتمال بالذات والمبررات القانونية التي يمكن ان تجيزه. فخلال الشهر الماضي، وخلال جلسة استماع امام لجنة العلاقات الخارجية التابعة لمجلس الشيوخ، طرح السيناتور الجمهوري "راند بول" سؤالا على بومبيو بشأن ما إذا كان تفويض العام 2001 باستخدام القوة العسكرية ضد القاعدة، وأية قوات مرتبطة بها، يخول ترامب شن حرب على إيران اليوم. رفض بومبيو اعطاء اجابة مباشرة واكتفى بالقول، في استرجاع لصدى قاتم من تلك الفترة التي سبقت الحرب على العراق، أن ادارة ترامب تعتقد بوجود صلة بين إيران وتنظيم القاعدة.
 
دعم مفتوح لنتنياهو
يزيد الامور تعقيداً أننا قد نشهد عودة تلك التهديدات الاسرائيلية باتخاذ اجراء عسكري التي اعتدنا سماعها خلال الفترة 2009 الى 2012 ، إذا ما استأنفت إيران نشاطاتها النووية. بيد أن الادارة الاميركية في هذه المرة ستكون اقرب كثيراً الى تشجيع اسرائيل على الضرب منها الى ثنيها ودعوتها الى ضبط النفس. 
فدعم ترامب لحكومة رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو، المتجذرة بعمق كما يبدو في حسابات الرئيس السياسية الداخلية، كان على الدوام مفتوحاً بلا قيود لا يحيد. كما ان مستشاري ترامب المقربين يبدون مستعدين لتشجيعه على اعطاء اسرائيل الضوء الاخضر للضرب. لا ننس أن بولتون كان قد أعلن في 2015 أن افضل سبيل للتعامل مع التهديد النووي الايراني هو ضربة تنفذها اسرائيل مدعومة بمساع أميركية للإطاحة بنظام الحكم في ايران.
كل هذا يتراكم ويتجمع في لحظة بالغة الخطورة. لذا يكون من الحكمة بالنسبة للادارة، وقبل ان تفلت الامور عن زمام السيطرة، أن تخفف نغمة خطابها وتفتح قنوات على اعلى المستويات مع طهران وترسل اشارات تنم عن رغبتها في العودة الى الصفقة النووية كمنطلق نحو مفاوضات جديدة. لكن احتمال أن تنحو الادارة هذا المنحى يساوي صفراً، فهي مستمرة في مضاعفة الرهان على ستراتيجية الشدّ الاقصى وهناك ادلة متنامية على أنها تسير على طريق الحرب، سواء وعى ترامب هذا أم 
لم يعه.