المستوطنون الصهاينة يطمعون بسواحل غزّة

بانوراما 2024/04/18
...

  أورلا غيرين 

 ترجمة: مي إسماعيل

من الذي لا يرغب بمنزل على ضفة البحر؟ بالنسبة للبعض من اليمين المتطرف الإسرائيلي؛ باتت الضفاف المرغوبة الآن تشمل رمال غزة.. فقط اسألوا «دانييلا فايس» (78 عاما)، «جدة» حركة الاستيطان الإسرائيلية؛ التي تقول إن لديها قائمة من خمسمئة أسرة جاهزة للانتقال إلى غزة فورا: «لديَّ أصدقاء في تل أبيب يقولون لي، لا تنسي أن تحجزي لنا قطعة أرض قرب شواطئ غزة؛ لأنها شواطئ جميلة جدا وفيها رمال ذهبية رائعة» لكنها تخبرهم أن قطع الشواطئ محجوزة بالفعل.

ترأس دانييلا فايس منظمة استيطانية متطرفة تسمى «ناتشالا» أو «الوطن»، وقد عملت منذ عقود على اطلاق إنشاء المستوطنات اليهودية سواء في الضفة الغربية أو القدس الشرقية المحتلتين؛ على أراضٍ كان قد احتلتها إسرائيل في العام 1967 خلال الحرب. 

يحتفظ البعض في حركة الاستيطان بحلم (أو بالأحرى- الحلم الكاذب) العودة إلى غزّة منذ العام 2005؛ عندما أمرتهم سلطات إسرائيل بإنسحاب أحادي الجانب. خلال تلك الفترة تم تفكيك 21 مستوطنة وإخلاء نحو تسعمئة ألف مُستوطن من قِبل الجيش. تقول كاتبة المقال انها كانت تُغطي الحدث حينها، ورأت الكثير من المُستوطنين الذين توجّب سحبُهم فعليا. ورأى الكثير من هؤلاء بأن ما حدث هو خيانة من جانب سلطة دولتهم، وخطأ استراتيجي.

 

سياسة تفتيت الأرض

تقرأ استطلاعات الرأي أن غالبية الاسرائيليين يُعارضون إعادة استيطان غزّة، ولم تكن العملية سياسة حكومية؛ ولكن منذ أحداث السابع من تشرين الأول الماضي بات الموضوع محل تداول علني وبصوتٍ عالٍ؛ من قِبَل بعض أعلى الاصوات وأكثرها تشدُدا ضمن الحكومة الإسرائيلية. تعرض دانييلا فايس متفاخرةً خارطة للضفة الغربية تنتشر عليها مواقع المستوطنات اليهودية؛ مسببة تآكل الأرض التي يأمل الفلسطينيون (أو كانوا يأملون) أن يُقيموا عليها دولتهم. هناك نحو سبعمئة ألف مستوطن في تلك المناطق الآن، كما إن أعدادهم تتزايد بسرعة. تنظر الغالبية العظمى من المجتمع الدولي إلى تلك المستوطنات بوصفها غير شرعية بحسب القانون الدولي؛ وبضمنهم دول مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة.. يرى إن اسرائيل تُجادل ضد هذه القضية.

تسكن دانييلا فايس مع الآلاف من مواطنيها في مستوطنة كيدوميم وسط الضفة الغربية، ولها رأيٌ عن مستقبل غزّة؛ حيث يعيش أكثر من مليونين وثلاثمئة ألف فلسطيني يتضور الكثير منهم جوعا؛ إذ ترى فايس أن غزّة ستكون يهودية، قائلة: “إن عرب غزّة لن يبقوا فيها؛ فمن الذي سيبقى؟ بالتأكيد إنهم اليهود..”. وتدّعي فايس أن الفلسطينيين يرغبون بمغادرة قطاع غزّة، وأن دولا أخرى يجب أن تستقبلهم؛ بالرغم من ان هذه المرأة نادرا ما تستخدم كلمة “فلسطينيين” خلال مقابلة طويلة معها، قائلة: “العالم واسع.. أفريقيا كبيرة.. كندا كبيرة. فبإمكان العالم أن يستوعب سكان غزّة؛ فكيف سيكون دورنا في ذلك؟ علينا تشجيعهم. أما الفلسطينيون “الجيدون” (تعبير عن من يرغب بالتعاون في عملية الخروج) من سكان غزّة فسيجري تمكينهم.. لا أقول إجبارهم بل تمكينهم؛ لأنهم يريدون المغادرة”. 


تطهير عرقي سافر

لا توجد دلائل على أن الفلسطينيين يرغبون بمغادرة وطنهم؛ على الرغم من أن البعض قد يحلم الآن بالخروج المؤقت لإنقاذ أرواحهم. لا يوجد مخرج بالنسبة لمعظم الفلسطينيين؛ فالسيطرة على الحدود شديدة (من قبل إسرائيل ومصر)، ولم تعرض أي دولة أجنبية عليهم اللجوء. 

طرحت كاتبة المقال على فايس أن ملاحظاتها تبدو كخطة للتطهير العرقي؛ فلم تُنكر هذه المرأة الأمر؛ قائلة: “يمكنكِ أن تسميه بالتطهير العرقي.. أكرر ثانية: العرب (العاديون) لا يُريدون العيش في غزّة. يمكنكِ أن تسميه تطهيرا، ويمكنكِ أن تسميه تمييزا عنصريا.. اختاري التعريف الخاص بك؛ وأنا أختار طريقة حماية دولة إسرائيل”. 

روّجت فايس لفكرة العودة إلى غزّة مع أطباق الكيك والذرة، أثناء إقامة تجمُّع في منزل مستوطنين آخرين؛ كماعرضت خارطة جديدة لقطاع غزّة موضحا عليها مواقع المستوطنات؛ مع كُتيّب عنوانه “عودوا إلى غزّة”. وتمضي فايس قائلة: “يسألني الناس عن إحتماليات تحقّيق العودة؟ وماذا كانت الاحتمالات في الماضي حينما جئتُ إلى هذه الجبال الداكنة ووصلتُ إلى هذه الجنة؟” كان الحاضرون مقتنعين بالفعل؛ وقالت المستوطِنة سارة مانيلا: “أريدُ أن أعود حالا؛ وحينما سيتصلون بي، سأعود إلى غوش قطيف؛ وهي المناطق الاستيطانية الإسرائيلية السابقة المحيطة بغزّة”. وماذا عن الناس الذين يعيشون هناك.. وكان هذا السؤال موجها من كاتبة المقال؟؟ فتجيب سارة: “المنطقة خالية الآن، ولا حاجة للتفكير أين ستُقام المستوطنة؛ وما علينا الا الرجوع هناك وإقامة مستوطنة جديدة”. 


تشجيع هجرة الفلسطينيين

والواقع أن أراضي قطاع غزّة ليست خالية؛ غير إن الكثير من مناطقها تم محوها بعد أكثر من ستة أشهر من القصف الاسرائيلي المدمر لها. ويصفها “جوزيب بوريل” منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بإن هذه المدينة أصبحت “أضخم مقبرة في الهواء الطلق” على مستوى العالم، على حد تعبيره. فقد قُتِل ما يزيد عن ثلاثة وثلاثين ألف فلسطيني؛ وفقا لبيانات وزارة الصحة الفلسطينية في غزّة (التي تُديرها حركة حماس)؛ وأغلب هؤلاء القتلى هم من النساء والأطفال. وتنظر منظمة الصحة العالمية إلى بيانات هذه الوزارة بأنها ذات مصداقية. بالنسبة لبعض أعضاء الحكومة الاسرائيلية فإن الأراضي الفلسطينية؛ الغارقة وسط الدماء الآن؛ باتت جاهزة لإعادة الاستيطان. ومن بين هؤلاء وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير، وهو أيضا من سكان المستوطنات. فقبل حلول نهاية شهر كانون الثاني الماضي حضر بن غفير تجمُّعا يحمل عنوان “الاستيطان يجلب الأمن”، وكان قد شق طريقه عبر قاعة مؤتمرات مكتظة بالمستوطنين المتعصبين المرحبين به وقد أبطأه العناق والمصافحات.. كان هناك بين أصدقائه؛ نحو ألفٍ من القوميين المتطرفين الذين يطالبون بالعودة إلى قطاع غزّة والسكن فيها. كان بن غفير؛ الذي يؤيد فكرة  “التشجيع على هجرة الفلسطينيين”، من بين عدة وزراء حضروا التجمُّع؛ وقال على المنصة (وسط تصفيق حاد): “حان وقت العودة إلى الوطن.. حان وقت العودة إلى أرض إسرائيل. إذا كنا لا نريد  تكرار ما جرى في 7 تشرين الأول مرة أخرى، فعلينا العودة إلى ديارنا والسيطرة على الأرض”.  


“عقبة في طريق السلام..”

يلعب يهودا شمعون مع ولديه الصغيرين تحت ظل شجرة ضخمة قرب منزله، إذ إن أسرته الكبيرة المكونة من عشرة أطفال جميعا قد عاشوا وأمضوا حياتهم في موقع استيطاني ضمن الضفة الغربية يسمى حفات جلعاد (أو مزرعة جلعاد) قرب مدينة نابلس الفلسطينية. وهناك قرى فلسطينية من حوله، تبعد أقربها نحو خمسمئة متر؛ لكنه يقول إنه لا يوجد أي اتصال بينهما. وكان شمعون قد عاش في قطاع غزّة سابقا؛ وهو يطالب (بحق العودة الذي منحه الله له)؛ قائلا: “يجب أن نعود؛ إنه جزءٌ من أرض إسرائيل. تلك هي الارض التي أعطاها الله لنا، ولا نستطيع الذهاب إلى الله لنقول له..”حسنا.. لقد اعطيتنا ((الأرض)) ونحن أعطيناها لأناس آخرين”.. كلا. أنا أومن إننا سنعود إلى غزّة في نهاية المطاف”. 

تسأله كاتبة المقال ما الذي سيعنيه ذلك للفلسطينيين؛ فيُجيب: “لديهم 52 مكانا آخر حول العالم ليذهبوا اليه.. 52 دولة اسلامية”.. قائلا ان غزّة الجديدة ستكون.. “تل أبيب اخرى”. 

تتكاثر البؤر الاستيطانية الإسرائيلية مثل هذه في الضفة الغربية، جنبا إلى جنب مع مستوطناتٍ أكبر؛ مما يؤدي إلى تفتيت الأراضي الفلسطينية ويُذكي التوتر. تزايدت هجمات المستوطنين على الفلسطينيين منذ السابع من تشرين الأول الماضي وفقا لتقارير الامم المتحدة؛ التي شجبت منذ وقت طويل إقامة المستوطنات لأنها تصفها بأنها عبارة “عقبة في طريق السلام”. أما الآن فإن منظمات المستوطنين تصوِّب  أنظارها إلى غزّة من جديد؛ فهل هناك احتمال حقيقي لوصول المستوطنين إلى شاطئ البحر في غزّة؟ 

تقول كاتبة المقال إن صحفياً إسرائيلياً متمرساً أخبرها أن ذلك لن يحدث؛ قائلا: “الدعوات لإعادة التوطين في غزّة لن تترجم إلى سياسة.. إنها فقط كلمات أخيرة ذائعة..”

بي بي سي البريطانية