أنين القناطر البعيدة

ثقافة شعبية 2024/04/18
...

كاظم غيلان 



استحضرنا كل الأغنيات التي وضع ألحانها كوكب حمزة حال إعلان خبر رحيله المفجع، ولربما نحسد من يترك هكذا إرثا جماليا لمحبيه جميعاً حتى المتخاصمين منهم، وهذا هو شأن من يصيغ الحياة بروح عاشق كبير، تفتحت موهبته مبكرا.

منذ ذلك (الناي) الذي اشترته له والدته من أحد أسواق مدينته، ولع الصبي الوسيم كوكب بفن أراده، وراح حلمه ينمو معه، ويفتح آفاقا في مخيلته، يحدثه، يصغي للغته المشفرة، يدفع به لما يشبه المغامرة، ينصت لأصوات وردات عزاء مواكب تمارس طقوسها في ذكرى واقعة الطف بمدينته (القاسم).

في روح كوكب حمزة يتحرك الطموح أمام وراء، يرى الاتجاهات كلها بعين حالمة، عين تتسع لوطن، وتنتمي لشعب نذر أجمل شبانه لحروبٍ ومنافٍ قاسية قسرية اضطرارية.

تدمع العين لما أصاب هؤلاء العشاق، ويأتي صوت كوكب بكل مابه من أسى واحتجاج كتبها صديقه (زهير الدجيلي) :

يافشلة الملهوف وبدور هله بمحطات 

صار العمر، محطات  وأحيانا يستبدلها بـ(مطارات) لأجل الوصول لذلك الفردوس المختطف، المفقود:

ياعيني ياجنة هلي 

بتلك الروح التي تدفع اليأس لتتشبث وتقاوم :

كالولي كل الليل يلتم..مايطفيك

وكالولي كلك حيل والهم مايمض بيك.

علاقة زهير بالتجارب الشعرية المهمة التي بشرت بعبقريته اللحنية المبكرة جدا، ابتدأت من سجون العراق (الموقف العام في الباب المعظم) يوم أهداه مظفر النواب ورقةً تحمل كلمات قصيدته (زرازير البراري) أو كما جرت تسميتها فيما بعد(حن وانه احن)، هذه ثقة عالية بطاقة خلاقة توفرت في عقل حمل هندسة الكلمات موسيقيا بحرفية نادرة، عززتها ندرة 

اختياراته :

امشي.. واكول اوصلت           والكنطره ابعيده 

هذه الأغنية التي شاعت جدا من قصائد (ابو سرحان) الذي وصف لي ذات مرة كوكب ساعة تعرفه عليه لا تشبه الا لحظة الامساك بكنز بحث عنه كثيرا، اردفها ب(شوك الحمام) :

يلرمشه بستة فرح.. وعيونه تجليبه 

يلطوله نايل عشك.. والشعر مدري به

مجتول من صيد امس.. من كثر تعذيبه    

أما (ابنادم) وهي لأبي سرحان أيضا فقد لخصت أوجاع الإنسان العراقي، بإيقاعات استمدها كوكب من ذلك العزاء الذي تفتقت به ذائقته الأولى: 

بجي الشموع الروح يبنادم          بس دمع مامش صوت 

ورفة جنح مكسور يبنادم             كلبي يرف بسكوت 

لاهي سنه.. وسنتين يبنادم           لاهي صحوة موت 

حسبة عمر عطشان.. والماي حدره يفوت.

لربما كانت (صحوة موت) دفعت بأبي سرحان المشبع بالحدوس لحظتها للكتابة هذه قبل أن يغيب في اتون الحرب الأهلية بلبنان 1982.. بينما يغذ السير كوكب على أمل الوصول إلى(الكنطرة)..يلهث.. يلهث.. وهي تتوارى خلف ذلك الأفق الدنماركي البعيد.. فيسكت.. يسكت بينما هي تئن.. وتئن.

سلاماً كوكب حمزة.