أحبَّ أوروبيَّة.. وتورّط

منصة 2024/04/18
...

التعريف بالصفحة

حذار من اليأس صفحة أسبوعية  تصدر صباح كل خميس، تعنى بالمشكلات الأسريــــة والاجتماعيــــة والنفسيــــــة والعاطفيـــة والدراسية، وتعرضها كما ترد في رسائل القراء إليها، وتقدم الحلول والمشورة العلمية لأصحابها، وتعمل على إشاعة الثقافة النفسية لدى الأسرة العراقية الكريمة. يعدها ويحــررها: الدكتور قاسم حسين صالح، ونتلقى رسائلكم على ايميلنا هذا :  [email protected]


غادرت العراق الى أوروبا مُشبعاً بتقاليد بلدي وبشخصيتي التي تربيت عليها في بلدي الحبيب، وشاءت الصدفة أنْ جاءتني بنتٌ عمرها 38 عاماً لتدرس عندي اللغة العربيَّة وكان هدفها هو التقرب مني. وبالفعل أرادت الزواج مني، وبعد سنة تطورت العلاقة مع عائلتها بهدف الزواج.

وكأي عراقي كنت أسألها دائماً عن ماضيها وعلاقاتها مع الرجال، أجابتني أنَّ لها علاقة قبل الزواج مع خطيبٍ قديمٍ وطالت العلاقة عشر سنوات. بعد سنتين كررت عليها سؤالي مع تجاربها السابقة وأجابتي بعفويَّة وصدقٍ أنَّ لها أربعة رجال هدفهم الزواجـ إلا أنَّهم تركوها، وهي نادمة وتائبة، وهنا بدأ الصراع بيني وبينها. بدأت أكرهها وأحبها وأغار عليها حتى من ماضيها. وبدأت أكره جميع الرجال الذين مارسوا معها الجنس وأنفر منها بألمٍ وعقدة نفسيَّة لا أتمكن من حلّها.

أنا أعرف أنَّ هذا لا يجوز في ديننا ولا أنا مسؤولٌ عن ماضيها، لكنَّني أتصرف بغيرة نحو ماضيها وأحس أنَّها تخونني وكأنَّ الماضي حاضر، وكأنَّني أعرفها وتعرفني منذ عشرات السنين، فذهبت لطبيبٍ نفسي ولم يتمكن من معالجتي حيث لا أستطيع الدراسة والنوم ولا العمل أبداً، سوى التفكير ورغبتي في الانتقام من هؤلاء الرجال الأشرار، ومنها وكأنها طعنتني بشرفي.

أنا أعرف أنه تقليدهم الأوروبي، لكنني لا أستطيع تجاوز المعضلة، تعبت جداً من حبي وكرهي لها، ومن تعلقها بي لدرجة أنها قبلت قدمي ألا أتركها.

أنا على يقين أنك ستساعدني، فصوتك في برنامج حذارِ من اليأس ما زال في أذني رغم مرور تلك السنين.

محمود - أوروبا

الأخ محمود

تتحدد مشكلتك بأنَّ ضميرك الأخلاقي لا يتقبل قيم المجتمع الأوروبي في ما يخص علاقة الرجل بالمرأة، وأنَّك دخلت بعلاقة مع امرأة أوروبيَّة «فورطته» فيها.

 من هذه «الورطة» نشأ لديك صراعٌ نفسيٌّ حادٌّ عكّر مزاجك و»طيّر النوم من عينك»، لأنَّ ضميرك الأخلاقي المتشبع بقيمٍ دينيَّة واجتماعيَّة تربيت عليها في المجتمع العراقي لثلاثين سنة، نصّب نفسه «حاكماً» عليك وجعل منك «متهماً» بالمروق على القيم والأخلاق، وصار يستدعيك كل ليلة الى «قاعة المحكمة» تبدأ مشاهدها لحظة تضع رأسك على الوسادة وقد تستمر حتى الفجر، يعنّفك وينهال عليك بألفاظٍ تحمل معاني التحقير لذاتك ويظهرك كما لو أنك ارتكبت ذنباً عظيماً عليك أنْ تكفّر عنه أو تبقى تدفع ثمنه بهذه المعاناة التي تطورت لديك الى حالة «وسواس قسري». وحلّها يكون بواحد من اختيارين:

الأول: أنْ تنهي علاقتك بها وتبحث عن امرأة عراقيَّة أو عربيَّة بمثل قيمك وتقاليدك، هذا إذا لم تكن لك «مصلحة» تضطرك على استمرار العلاقة معها (الحصول على إقامة أو جنسيَّة مثلاً).

والثاني: أنْ تقنع ضميرك الأخلاقي أنَّ الفتاة بالمجتمع الأوروبي لها أنْ تقيمَ علاقات جنسيَّة قبل الزواج والأمر طبيعي في مجتمعهم، وليس كما في مجتمعنا العراقي الذي إنْ فعلت ذلك قتلناها غسلاً للعار. فإذا اقتنع، عليك ألا تحاسبها على ماضيها.

ويبدو أنَّ مطاوعة ضميرك الأخلاقي على التكيف لقيم المجتمع في هذا الموضوع تحديداً ستكون صعبة وقد تحتاج لوقت. فأنت كأي رجلٍ شرقي، يتحكم بك ماضي المرأة أكثر من حاضرها. فبرغم أنها «كأي أوروبيَّة» تحدثت لك بصراحة عن ماضيها، وأنها تريد فعلاً أنْ تكون مخلصة لك، لكنَّ عقلك الشرقي يقول لك: ما دامت لها علاقات سابقة فإنَّها ستخونك. بل انَّ أفكارك الوسواسيَّة والتسلطيَّة تدفعك الى أنْ تنتقم من الأشخاص الذين كانت لهم علاقة بها (وقد يكون هذا دليلاً على أنك تحبها).

واحذر أنْ تأخذ أية أدوية نوم (فاليوم مثلاً) لأنَّ مشكلتك تكمن في أفكارٍ ومعتقدات وقيمٍ لا تغيرها الأدوية، إنما الحوار مع استشاري نفسي (عراقي أو عربي) قريب منك. فإنْ تغيرت عن قناعة ثابتة، أعني أنْ تغلق باب ماضي هذه المرأة، فبها، وإنْ لم تستطع: فقّبل يدها وقل لها

وداعاً.