وليد خالد الزيدي
لم تخرج القرارات المنبثقة من الحكومة الاتحادية في التعامل مع اقليم كردستان عن اطار النظرة المستقبلية الهادفة إلى ضرورة تصويب العمل الحقيقي والسليم، واعتبار نتائجه المثمرة المتوقعة الموجه الوحيد لمجمل العلاقات بين جميع اطراف العملية السياسية في العراق، وعلى مستوى النظرة والتصرف لاسيما في القضايا الحساسة التي تتمحور عليها دائرة الاهتمامات العامة والمصالح المشتركة، التي تخص المركز وبقية الحكومات المحلية الاخرى ومنها حكومة كردستان التي ما برحت نظرتها اهمية تفعيل ومواصلة علاقتها مع بغداد، بما يتناسب مع ما اقره الدستور العراقي، الذي حددها بشكل يجسد مصلحة جميع ابناء الشعب في كل المناطق والمحافظات. النظرة الموضوعية التي انبرت لها حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني في قرار التعامل الحكيم مع الازمة الخاصة برواتب ومستحقات موظفي اقليم كردستان والاتفاق على اطلاق تخصيصاتها كانت ذات توجهات عامة ومسارات براغماتية، اخذت بعين الاعتبار النتائج المطلوبة المرجوة من السعي لحلحلة تلك الازمة والانعكاسات الايجابية الناجحة لهذا القرار على طبيعة العمل السياسي في العراق، سواء كانت في المستقبل المنظور أو على المدى البعيد وفق رؤية متأملة لسداد تلك الخطوة كمعيار حقيقي لطبيعة السلوك القيادي الذي يراد منه بناء دولة تاخذ على عاتقها مصالح جميع ابناء الشعب وكل الاطراف السياسية بغض النظر عن الاختلافات في الرؤى والتباين في الطروحات المتعلقة بطرق التعامل المناسب مع الازمات وغياب حلولها أو تباعد سبل مسك خيوطها والخلاص منها. العمل السياسي دائما ما يتطب نظرة تفاؤلية تضع احتمالية النجاح في التعامل السهل مع المشاكل التي تشوب طبيعة العلاقات بين الاطراف، التي تتعاقد على نظام سياسي محدد مقرونة بفسحة واسعة من توقعات ترضي جميع الجهات، بشرط ان تكون النوايا المشتركة سليمة والتوجهات العامة مثالية حتى تتلاشى الخلافات الجزئية في خضم المصالح العليا والغايات السامية، وهذا ما يفترض ان يبدو واضحا في العراق كنظام حكم يمكن القول انه يرتكز على مبدأين رئيسين، أولها هو اسس بناء روابط تعاون وطني بعيدا عن نظرة التبعية بين الاقليم والمركز اي من خلال تأصر اتحادي منظم، وثانيهما الاعتراف بوجود حكومة اتحادية تدور في فلكها بقية الحكومات المحلية على ان توزع الادارات وتنقسم السلطات بينها وبين المركز الذي يمثل الجميع. نظرة الاستشراق تلك برزت ماثلة مؤخرا في حديث رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور بارزاني، وشكره لرئيس الحكومة الاتحادية بعد التوصل لحل مناسب بشأن رواتب موظفي الإقليم الذي تجسد وفق تعبيره بفضل من الله تعالى والإرادة الصلبة بين بغداد واربيل، متمثلة بتخصيص تلك الرواتب وبمساع حثيثة وجهود مكثفة وتعاون وثيق بين الحكومة المركزية وحكومة الاقليم، حتى وصفها بانها ازاحت الشعور باليأس من نفوس مواطني كردستان، وهنا لا بد من التسليم بان النظام السياسي في العراق ينطلق من اتحاد تعاهدي أبرز غاياته تنظيم الأهداف المشتركة، كالدفاع وتنسيق الشؤون الاقتصادية والثقافية، ولكي تحفظ الدولة بكل عناوينها شخصيتها القانونية وسيادتها الداخلية والخارجية وسمعتها الدولية.