علي المرهج
يرتبط مفهوم الصحوة بمفهوم البعث «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يِجدد لها دينها»، وهذا يعني تعالق مفاهيم شتى مثل: الإحياء والإصلاح والتجديد والصحوة والبعث، وقد تختلط علينا هذه المفاهيم لان من الصعب علينا فك الارتباط في ما بينها، إلا على سبيل التأويل، ولكل واحد فينا منطلقاته في القراءة لهذه المفاهيم في حال جمعها أو تبعيضها
تتداخل معانٍ كثيرة من المفاهيم، حتى نجد من الصعب علينا فك الالتباس والتداخل بين هذه المفاهيم، ونجد بعضنا يستخدم مفهوما وهو يقصد به مفهومًا آخر، وهذا يحدث عند أغلب من يكتب في الفكر العربي المعاصر، وهذا متأتٍ كما أعتقد بسبب غموض النهضة (لماذا تقدم الغرب وتأخرنا نحن)، وعلى ما يبدو عليه من وضوح، إلا أن الالتباس فيه كامن في ربط النهضة بعلاقتنا بالغرب؟ بمعنى نوع هذه العلاقة، أي أن هناك من يرى أن النهضة تكمن في الابتعاد من هذا «الآخر» الغرب والعودة للجذور، ومفكرون يجدون أن نهضتنا مرتبطة باقترابنا من هذا «الآخر»، وتطبيق مسيرته في تحقيق نهضته، والرأي الثالث يرى أن هناك إمكانية للتوفيق بين ما هو إيجابي عندهم مع ما هو ايجابي
عندنا.
لكن النتيجة أن أجوبة هذا السؤال بقيت معيارية وقيمية تدور حول ما ينبغي ويجب، لا تفكيك الواقع، والعمل على فهمه، ومن ثم النظر لنصف الكأس الملآن لفتح آفاق المعرفة «نحو عالم
أفضل».
ما هيمن على طبيعة التفكير عندنا هو سكون العقل، أو ما سُميّ «العقل المستقيل»، أي عدم اشغال العقل والتفكير في مشكلات هذا الواقع والعمل على تغييره، فيُحيلك هذا للقبول بالنكوص.
النكوص هو التراجع واليأس من تحقيق تقدم، ولا بؤس أكثر منه غير القبول بما نعيشه من تردٍ ولا ترد أسوأ من السبات.
السبات هو النوم العميق الذي لا نستفيق لولا مدافع نابليون، التي ثارت في ارضنا فأيقظتنا من هذا السبات.
المقابل للسبات هو اليقظة، هي الوعي بعد نوم عميق على وقع أصوات أقضت مضاجعنا، فكان منا رجال استيقظوا من سباتهم العميق، فتنبهوا ان هناك تغييرًا في عالمهم قد حصل في الفلسفة وفي العلم، عرفنا في ما بعد أنه النهضة في المعارف الإنسانية والعلوم الطبيعية والرياضية.
أما النهضة، فهي وعي لاحق باليقظة وجد عند بعض مفكرينا المحدثين، بعد ان وعوا أن هناك حياةً أخرى تعيشها باقي أمم الغرب ألا وهي النهضة العمرانية والثورة التكنولوجية وتقدمها في النظرية العلمية.
لذلك وجد المفكرون العرب المحدثون أن لا مناص لهم من الخروج من أزمة التخلف التي نعيشها، إلا بالافادة من علوم الغرب وما حققه من تقدم في مجالات عدة اهمها: فصل السلطات والعمل على اتاحة
الحريات.
التجديد هو الحل عند بعض المتمسكين بالتراث، ولكن لم نعرف ماهية التجديد هذا، فهو عند الفقيه مختلف عن الصوفي، وهوعند الفيلسوف مخالف لهما بامتياز، لذلك هو مفهوم مقبول شكلًا ولكنه مُختلف عليه
مضمونًا.
يرتبط التجديد بمفهوم الإصلاح، ولكن إصلاح ماذا، هل هو إصلاح تصورنا عن التراث؟ ام هو إصلاح تصورنا عن
الحداثة؟!.
وفي كلا الحالتين هناك تباين في منطلقات الإصلاحيين ممن هم يحاولون إيجاد منطقة وسطى لتلاقي الثقافتين الغربية والعربية، والإصلاحيون الذين يجدون في مفهوم الإصلاح مرتكزل في العودة للتراث الذي لم يتفق عليه اي تراث هو المقصود؟ هل هو التراث الحاضر؟ السلفي ام الكلامي أم الصوفي أم الفلسفي، وفي كل قسم من هذا التراث اشكلة على استحضار جزء منه وتغييب
آخر.
وهناك من اعتقد أن هذا الإصلاح لا يكتمل إلا بمعرفة (الآخر) ومحاولة التوفيق بين ما فيه من تقدم وما في فكرنا من عناصر لقبول هذا التقدم يشبه قبولنا، لرؤى هذا الآخر حينما كنا نحن المتقدمين وهو المتأخر.
الإحيائية هي المقابل الموضوعي للنزعة الإصلاحية، لأنها في ظاهر القول ومضمره تعمل على إحياء علوم الدين والعمل بموجب شروط الفكر الرسالي
النبوي.
الصحوة الإسلامية: تحدث عنها فؤاد زكريا في كتابه (الصحوة الإسلامية في ميزان العقل)، فوجد أن في الإسلام طاقة هائلة لتحريك الجماهير
ومقاومتها.
يرتبط مفهوم الصحوة بمفهوم البعث «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مئة سنة من يِجدد لها دينها»، وهذا يعني تعالق مفاهيم شتى مثل: الإحياء والإصلاح والتجديد والصحوة والبعث، وقد تختلط علينا هذه المفاهيم لان من الصعب علينا فك الارتباط في ما بينها، إلا على سبيل التأويل، ولكل واحد فينا منطلقاته في القراءة لهذه المفاهيم في حال جمعها أو تبعيضها.
من معاني الصحوة هو سحوة المسلمين لما آل إليه حالهم اليوم ومقارنته بالامس حين كان السلام قيادة وحضارة، فكيف يمكن لنا أن نعود فنكون بمثل ما كان عليه الأولون بكل ما قدموه لنا من تميز وحضور؟!.
تتداخل مفاهيم الإصلاح والإحياء والصحوة، بل والتجديد، ويبدو من الصعب على قارئ الفكر العربي الحديث والمعاصر، فك الارتباط والتعالق بين هذه المفاهيم، بما فيها مفهوم البعث الذي وظفه القوميون لصالح فكرتهم في بعث الروح القومية العروبية واسنتهاضها، وفي هذا القول تداخل واضح في الألفاظ البعث والإحياء والنهضة والإصلاح.