حسب الله يحيى
يسمونها دوائر الإصلاح، وهو اسم لا يتلاءم ولا ينسجم ولا يدل ابدا إلى طبيعة وحقيقة عملها.
الإصلاح..تقويم وخلل، وتصويب معوج، وترميم خراب...
لكن دوائر الإصلاح عندنا؛ لا تقوم خللا ولا تعدل معوجا ولا ترمم دمارا.. انها (سجون) تعاقب، وتقمع أصواتا كذلك، وتطوق جريمة ومجرمين، وتمسك بجناة فساد ومخدرات وجرائم قتل وشرف وعدوان.. ليجتمع الكل في مكان واحد!. انها مصيدة كل مسيء إلى آمن وسلامة الناس.. وهذا من المهام الأهم للحكومة ـ اية حكومة كانت ـ
وما يحدث في السجون العراقية، يثير الغرابة والاستياء ويفاقم الظلم والمآسي، فضلا عن وجود آلاف من المعتقلين، الذين يجهلون أصلا أسباب اعتقالهم، وهناك إلى جانبهم ومعهم وعلى تماس مباشر بهم؛ عدد من المجرمين العتاة، ممن عاثوا في البلاد فسادا قتلا وتخريبا..
وهذا التماس بين البريء والمدان، أو بين صاحب الحكم الخفيف، والمحكوم بالأحكام الثقيلة، من شأنه أن يفاقم الأمور سوءا ويجعل من الأبرياء ومن أصحاب الاحكام الخفيفة؛ مشاريع جديدة لصناعة الجريمة.
ومع أن القوانين، تحول دون وصول أصحاب السوابق إلى العمل في الدوائر والمؤسسات، الا ان هذه القوانين، تتركهم طلقاء يعبثون في المجتمع على وفق ما يشاؤون، وهو أمر أكثر خطورة وتأثيرا في تخريب وتدمير الحياة الاجتماعية.
الى جانب ذلك، لا يخرج أحد من السجون ألا وهو مثقل بالنقمة على السجون والسجانين، فهو إلى جانب ما أدين به من أحكام؛ يجد نفسه بين جمع من القتلة والفاسدين والمفسدين ومتناولي المخدرات والشواذ.. قد لا يكون قد عرفهم من قبل في واقعه الاجتماعي، إلى جانب ما لقيه من تعاملات خشنة ورشى وتعذيب وإهانة من قبل سجّانيه والسجناء أنفسهم، إلى جانب ابتزازه ماليا، وجسديا أحيانا وتقديم أسوأ صورة للحياة، ومن دون معالجة أثناء المرض.. وكلها أمور تلقي بظلالها وتأثيراتها السلبية على نزلاء السجون.. وهو امر يعدهم إعدادا كليا ليكونوا مجرمي المستقبل حال مغادرتهم جدران السجون. وكان الامل ان تكون السجون دوائر اصلاح حقا، وأن يكون هناك قانون يحفظ للسجين حقه الإنساني مادام قد تلقى حكما بالادانة، حتى يشعر بأن ما اقترفه من اعمال مخلة بالقوانين ومسيئة للمجتمع ؛ لا بد ان يعاقب عليها.. لا أن تكون وضعيته كسجين تحرمه من كونه إنسانا له حقوقه البشرية، وحقه في الحياة حتى يتعلم من العقاب ولا يكرر جريمته ولا اخلاله بالقوانين والانظمة..
الا ان ما يرد إلى اسماعنا من أحاديث شتى؛ تؤكد لنا ان ما يجري في السجون لا يمت بصلة إلى أي أصلاح، بل ان السجناء يتلقون شتى أساليب التعسف والتعذيب والاهانة والاستغلال والادانة والتعامل معهم كما لو انهم ليسوا بشرا!
ومثل هذه الأساليب القمعية القاسية؛ من شأنها ان تكون مواد أولية لتعلم صناعة الجريمة من داخل السجون ثم نقلها إلى المجتمع..
مثلما يكون الاف من الأبرياء بلا محاكمة ولمدة طويلة، ووضعهم مع محترفي الجريمة، سيرشحهم المستقبل إلى شخوص يتقنون ارتكاب شتى أساليب الجرائم والتزوير والفساد الأخلاقي بعد اختلاطهم بعدد من محترفي الجريمة.
إن السجون.. أماكن عقاب وحجب للحرية وحفظ لأمن وسلامة المجتمع من العناصر السيئة، التي لا تراعي مصالح المجتمع الآمنة والسليمة والخالية من كل أساليب الإساءة إلى الناس، وكان المهم في الأمر تشكيل محاكم، تحقق وتصدر احكامها على عجل بدلا من تدمير البريء حتى يثبت براءته، فيما نجد السجون وقد حولته إلى شخص اخر مما جعله يفقد براءته الأولى والتي كان يتمتع بها، فإذا هو يخرج مثقلا ومشبعا بـ(الدروس) التي تلقاها من عتاة الجريمة!.
نعم.. السجون ضرورة لحماية المجتمع من هذه القوى الفاسدة والمجرمة، ولكن قد يكون الأمر معكوسا، حيث تتحول إلى تنكيل بالإنسان بدلا من إصلاح حياته ومن أية توجه تخريبي والعمل على جعله مواطنا صالحا، بوصفه قد تلقى العقاب الذي يستحقه، وان هذا العقاب قد علمه وأعده وأصلحه، ليكون إنسانا اخر قادرا على العيش مع الاخرين بشكل آمن وسليم، ليصبح مواطنا صالحا يتعايش مع المجتمع.
فهل يمكن الالتفات إلى حال واحوال السجون والسجناء؟.