ساطع راجي
تكشف التصريحات والبيانات الرسمية الصادرة عن الاجتماعات العراقية الامريكية في واشنطن، عن منظومة تعاون كبيرة وتفصيلية بين الجانبين لا تقتصر على القضايا البينية التي تجمع الدولتين فقط، بل تشمل ملفات عراقية داخلية، خدمية وعمرانية وأمنية وعمل البنوك ومكافحة الفساد وغيرها من شؤون الدولة العراقية، بالإضافة إلى المشكلات بين بغداد وأربيل، وحتى رواتب موظفي الإقليم شغلت حيزا في كلام الرئيس الأمريكي جو بايدن مع رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في لقاء البيت الأبيض.
إن تعبير «الشراكة» الذي استخدمه الجانبان يصف علاقة بنيوية ومصيرية، فالملفات التي يريد العراق من أمريكا التعاون فيها حيوية ونجاح أي حكومة عراقية يعتمد عليها، ورغم كثرة الدول التي يرتبط بها العراق بعلاقات وثيقة وقديمة، إلا أن الولايات المتحدة وحدها القادرة على التعامل بحسم مع هذه الملفات، بدليل عدم طرحها في أي زيارة خارجية أو اجتماعات بقيادات دول أخرى بهذه الكثافة والتفصيل، ولذلك فإن وصف «شراكة» يستحق وقفة تفسيرية رسمية من الجانبين شديدة الوضوح وتتحول إلى اتفاقيات ثنائية عبر المؤسسات التمثيلية للبلدين، لتوسيع عمل اتفاقية الاطار الستراتيجي وتفعيلها.
مجمل الملفات التي طرحت في زيارة السوداني لواشنطن كانت مطروحة منذ سنوات، وهي تتعلق بكل مشكلات العراق تقريبا ولم تحقق تقدما كبيرا باتجاه الحل والتجاوز رغم تعاقب الحكومات، ولعل جزءا مهما من هذه المشكلة يعود إلى عدم استقرار العلاقة بين بغداد وواشنطن على صعيد النظرة المستقبلية تحديدا، بسبب الظروف والتوترات الإقليمية التي دفعت الفعاليات السياسية في الدولتين للتشكيك في المصداقية والنوايا، وجعلت هذه الشراكة تعيش تحت ضغط دائم يقلص من فعاليتها ويؤخر ثمارها.
يتعلق تحقيق «شراكة» صادقة ومثمرة بين العراق والولايات المتحدة بالقدرة على تحييد هذه العلاقات، عن المتغيرات والتوترات في الشرق الأوسط وحمايتها، عبر ضبط حرارة غرف صنع القرار في بغداد وواشنطن، لحفظ برودة أعصاب الحكومتين ليس لضبط إيقاع التعامل بينهما فقط، وإنما لضبط ردود وانفعالات وخطابات كل القوى السياسية في البلدين، فقد تسببت الأصوات المتطرفة في الجانبين بإبقاء التعاون الثنائي في حدود دنيا باستثناء الملف الأمني طبعا.
كشف الجانبان العراقي والامريكي في زيارة السوداني لواشنطن عن تصميم كبير على الارتقاء بالعلاقات الثنائية والتعاون التفصيلي في كل المجالات، لكن بقيت قائمة التعاون الطويلة في اتجاه واحد، أي المساعدة التي تقدمها أمريكا للعراق في مختلف الملفات ولم يتضح الدور العراقي المطلوب في هذه الشراكة وهو موضوع طال تأجيله وحان الوقت لحسمه حتى تتحول الشراكة إلى حقيقة دائمة وعابرة للحكومات والرؤساء مع الاحتفاظ بمسافة فاصلة في ما يتعلق بالقضايا الحساسة تسمح للحكومتين بحرية حركة أكبر.