مخاوف الحلفاء حول شرعيَّة الحرب على غزة

بانوراما 2024/04/22
...

 جوليان بورغر (واشنطن) توبي هيلم وآخرون (القدس) 

 ترجمة: مي اسماعيل

كان سماح الولايات المتحدة بتمرير قرار عن وقف اطلاق النار في الامم المتحدة تحذيرا واضحا، والقلق يتصاعد في أماكن أخرى.. وعندما جلس جلعاد إردان، المبعوث الإسرائيلي إلى الأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن للتنديد بقرار وقف إطلاق النار الذي تم إقراره مؤخرا؛ كان شخصا أكثر عزلة من أي وقت مضى في القاعة الواسعة. امتنعت الولايات المتحدة؛ وهي درع اسرائيل الدائم في الامم المتحدة؛ عن استخدام الفيتو؛ مما سمح للمجلس بالمطالبة بهدنة فورية؛ رغم عدم احتواء القرار (كما أشار إردان بغضب) على إدانة لما قامت به حركة حماس من اعمال ضد الاسرائيليين؛ مما ادى لقيام الحرب.

إعادة ضبط الحسابات

كان ذلك خطا أحمر بالنسبة لأميركا حتى يوم الاثنين (25 آذار) الماضي؛ كما هو الامر بأن يكون وقف إطلاق النار مشروطاً بإطلاق سراح الرهائن. ولكن بعد نحو ستة أشهر من القصف المستمر ومقتل أكثر من 33 ألفا في غزة وحلول مجاعة وشيكة؛ جرى السماح لتلك الخطوط الحمراء أن تخبو وتَبْهَت، وأبقت السفيرة الاميركية ليندا توماس غرينفيلد يدها ساكنة بلا حراك حينما دعا رئيس الجلسة للتصويت ضد القرار. 

كانت الرسالة واضحة؛ إنتهى وقت الهجوم الإسرائيلي، ولم تعد إدارة بايدن مستعدة للسماح بإستنزاف مصداقية الولايات المتحدة على المسرح العالمي بالدفاع عن الحكومة الإسرائيلية.. تلك الحكومة التي لم تُعِر كثير إهتمام (إذا فعلت إطلاقا) لنداءات الادارة الأميركية بوقف قصف المناطق المدنية وفتح المعابر لإيصال كميات كافية من إمدادات الغذاء. خاطَبَ “رياض منصور” المندوب الفلسطيني الى الأمم المتحدة مجلس الأمن قائلا: “يجب أن تكون هذه نقطة تحوّل”؛ وهو يرثي من قتلوا خلال الوقت الذي استغرقه أعضاء المجلس للتغلب على خلافاتهم. خلال الايام القليلة اللاحقة ظهرت دلائل أخرى تشير بأن الغرب بدأ يُغيّرُ موقفه.. على الأقل من حيث الخطاب.. إذ أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية آنيلينا بيربوك أن حكومتها ستُرسلُ وفدا لتذكير اسرائيل بوضوح بالتزاماتها بموجب اتفاقيات جنيف، وتحذيرها من المضي قدما في هجوم كان مخططا على مدينة رفح (جنوب قطاع غزة). وهذا تغيرٌ ملحوظ للهجة الخطاب من دولة كانت ثاني أكبر مساند لإسرائيل ومُوَرِّد سلاحٍ لها. 

في بريطانيا صعّد وزير الخارجية ديفيد كاميرون انتقاداته لإسرائيل؛ خاصة بسبب عرقلتها لدخول المساعدات الى غزة. لكنه في الوقت نفسه كان حريصا للغاية على تجنب الاجابة عن مدى اعتقاده ان حكومة نتنياهو خرقت القانون الانساني الدولي. وخلقت محاولة تحقيق ذلك التوازن ضغوطا حقيقية وواضحة على نحو متزايد داخل الحكومة البريطانية وحزب المحافظين. 

لكن هذا التغير المؤكد في الموقف الدولي لم يُغيّر شيئا للمليونين وثلاثمئة ألف شخص العالقين في غزة؛ فالقصف والقنص لم يتوقف.. وربما يقوم الساسة بإعادة ضبط حساباتهم؛ ولكن ليس بالسرعة الكافية بالنسبة لمن هم على خط النار. فأثناء الساعات الثمانية والأربعين التي تلت قرار مجلس الأمن بوقف النار؛ سقط 157 شخصا صريعا في غزة؛ وقد قتل نحو ثمانية عشر منهم (بينهم تسعة أطفال وخمس نساء) بسبب قصف منزل مليء بالنازحين شمال رفح. كما غرق اثنا عشر شخصا وهم يحاولون الوصول الى الطرود الغذائية التي أسقطتها الطائرات في عرض البحر. ومن جهة أخرى قللت اسرائيل من عدد شاحنات الغذاء المسموح بدخولها الى غزة، ويرفض مفتشوها نحو 20 إلى25 منها يوميا بحجة عدم تساوي أبعاد الصناديق الخشبية (بحسبما أوردته وكالة أن بي سي للأخبار نقلا عن مسؤول مصري). ومنعت اسرائيل وكالة “الأونروا” (وكالة الاغاثة الأممية الرئيسية للاجئين الفلسطينيين في المنطقة) من استخدام المعبر.


قضايا لا يمكن تجنبها

قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية لوكالة رويترز أن المجاعة حلّت بالفعل داخل بعض أجزاء من قطاع غزة؛ مردداً نتيجة مماثلة نشرتها محكمة العدل الدولية في لاهاي خلال الأسابيع القليلة الماضية. وبعد اربعة أيام من صدور القرار؛ أُعلن عن المزيد من مبيعات الاسلحة الأميركية الى اسرائيل (وفق صحيفة واشنطن بوست)؛ بما فيها ألف وثمانمئة قنبلة من نوع “MK84” التي تقدر زنة الواحدة منها نحو طن تقريبا. وهذه ذخائر ضخمة يُنسب اليها العديد من كوارث الإصابات الجماعية على مدار القصف الذي تواجهه مناطق قطاع غزة تحت الحرب. وإضافة لذلك، وعلى الرغم من تصويت مجلس الأمن الدولي قبل أيام قلائل؛ أوضحت إدارة بايدن لحلفائها أن التهديد بوقف إمدادات الأسلحة إلى إسرائيل كوسيلة ضغط هو أمر غير مطروح للنقاش؛ على الأقل في الوقت الحالي. وقال الرئيس الأميركي جو بايدن خلال احدى مناسبات جمع التبرعات ((الانتخابية)) لصالح التجديد له بولاية رئاسية ثانية: “لا يمكنكم نسيان ان اسرائيل في وضع بات وجودها ذاته على المحك”!. 

أما في بريطانيا فهناك شعور متزايد بأن القضايا القانونية والمسائل ذات الصلة بمبيعات الأسلحة إلى إسرائيل؛ لا يمكن تجنبها أو التهرب منها لفترة أطول. فقد قالت “أليسيا كيرنز”؛ الموظفة السابقة لدى وزارة الخارجية والدفاع البريطانية؛ خلال مناسبة لجمع تبرعات لحزب المحافظين مؤخرا أن وزارة ديفيد كاميرون (الخارجية) تلقت مشورة قانونية تفيد بأن إسرائيل انتهكت القانون الإنساني الدولي؛ لكنها اختارت عدم نشر ذلك علناً. هذا الادعاء سيقود إلى تبعات لدى كل من لندن وواشنطن؛ لإنه يضرب مركز المواضيع الدقيقة للدبلوماسية الدولية. 

لا يصعب فهم سبب تجاهل وزارة ديفيد كاميرون للأمر؛ لإن وجود مثل تلك المشورة وأي اعتراف علني بها سيؤدي إلى سلسلة من المتطلبات على الوزراء؛ ليس أقلها واجب وقف جميع مبيعات الأسلحة البريطانية إلى إسرائيل. كما يرى البعض انه قد يتعين على بريطانيا حتى إيقاف مشاركة المعلومات الاستخباراتية مع الولايات المتحدة؛ لأن الاخيرة قد تنقلها الى اسرائيل. 


انتقادات.. ولا نبذ

كما هو الحال مع الولايات المتحدة؛ باتت لهجة بريطانيا تنحو إلى أن تكون أكثر انتقادا لإسرائيل؛ لكن خلق الفضاء السياسي لمضاهاة ذلك بالانفتاح للتعامل مع المشورة القانونية المقدمة، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة؛ سوف يكون أمراً أكثر صعوبة. من جانبها تعرضت إسرائيل للكثير من الانتقادات؛ لكنها ما زالت بعيدة عن العزلة.. وقبل القصف الايراني على اسرائيل نتنياهو وحكومة حربه يصران على أن اسرائيل ستمضي قدما لتنفيذ الهجوم على بلدة رفح (حيث لجأ إليها أكثر من مليون نازح مدني) متجاهلين تحذيرات الولايات المتحدة أن ذلك سيكون.. “خطاً” سيأتي بنتائج سلبية على أمن اسرائيل. وكان مسؤولون أميركان يقولون بأنهم سيقدمون للجانب الاسرائيلي خططا بديلة للعمل ضد حركة حماس في رفح، تُركّز على الغارات الدقيقة على قياديي الحركة، لكنهم يعترفون أنهم لا يمتلكون الوسائل لإلزام الاسرائيليين بأخذ الاقتراحات على محمل الجد؛ كما يقول أحدهم: “انها ((اسرائيل)) دولة ذات سيادة، ولن نتدخل في خططها العسكرية؛ لكننا سنوضح بشكل عام ما نعتقد أنه طريقة أخرى لتحقيق الأهداف ذاتها بشكل أفضل”. 

ضمن تحد واضح آخر لوجهات نظر واشنطن، يقيم الجيش الإسرائيلي منطقة عازلة حول حدود غزة، ستُغطي نحو 16 بالمئة من القطاع الساحلي بأكمله، وفقا لصحيفة هآرتس الاسرائيلية. وأظهر الرأي العام الاسرائيلي حتى الآن عدم اكتراثه بالضغوط الاميركية والدولية؛ إذ يبلغ تأييده الآن للحرب على غزة نحو ثمانين بالمئة. ومما يزيد من قلق واشنطن أن نسبة التأييد الداخلي لعملية عسكرية واسعة النطاق على قواعد حزب الله في لبنان تبلغ نحو السبعين بالمئة؛ وهي عملية تمكنت واشنطن حتى الآن من إحباطها.

أما داخل إسرائيل فيبدو المتظاهرون المؤيدون للحرب أكثر وضوحا من المتظاهرين المناهضين لها، ويرُكز المستوطنون وناشطو اليمين احتجاجاتهم على عمل وكالة “الأونروا” لغوث اللاجئين، ويقولون ان قرار مجلس الأمن لإيقاف اطلاق النار يمثل هجوما على اسرائيل. 


تداعيات طويلة المدى

عزز غياب العقاب عن تأنيب المجتمع الدولي من شعور الائتلاف الإسرائيلي الحالي بالحصانة من الرأي العام العالمي. لكن حلول مجاعة واسعة النطاق أو حدوث هجوم على رفح أدى لظهور ردود فعل أكثر حدة من قبل أصدقاء اسرائيل فضلا عن خصومها. وهناك دلائل على أن الضرر الحقيقي الذي لحق بموقف اسرائيل دوليا قد يزداد سوءاً بمرور الوقت؛ ربما مع عواقب بعيدة المدى. يقول “مايكل سفارد”، المحامي في مجال حقوق الإنسان وخبير القانون الإنساني الدولي: “فشل المجتمع الدولي على نحو مأساوي بمنع تدهور الصراع الاسرائيلي – الفلسطيني الى الحد الكارثي الذي يتكشف في غزة حاليا.. كما إن قرار مجلس الأمن يعد خطوة هامة في الاتجاه الصحيح؛ ويبقى السؤال ما اذا كانت أطراف النزاع ستتحمل المسؤولية إذا لم تلتزم به..”.   

لكن التحول المحتمل الآخر الذي سيكون له تداعيات طويلة المدى على مستقبل إسرائيل هو المواقف المتغيرة للشباب الأميركي؛ الذين تخلى كثيرون منهم عن مواقف آبائهم المؤيدة لإسرائيل، وجعلوا من الحرب على غزة قضية دعائية لصالح الأصوات الاحتجاجية في الانتخابات الرئاسية التمهيدية للحزب الديمقراطي. ومؤخراً أظهر استطلاع للرأي أجرته مؤسسة غالوب أن نحو 63 بالمئة من الأميركيين ممن هم بعمر 18 - 34 عاماً لا يوافقون على العمل العسكري الإسرائيلي، كما فعل نحو 55 بالمئة ممن شاركوا في الاستطلاع. تقول الناشطة اليهودية الأمريكية التقدمية  “راي أبيلا-Rae Abileah”: “نحن نشهد لحظة غير مسبوقة من الوعي الجماعي حول ظروف الاحتلال والفصل العنصري المستمرة في إسرائيل – فلسطين. لم يسبق لي أن رأيت هذا الكم من الناس الذين يخرجون باستمرار إلى الشوارع. طيلة سنوات كان باستطاعتنا القول: “يمكنك أن تكون تقدمياً ((في كل شيئ)) إلا فيما يتعلق بفلسطين”.. ولم يعد يمكننا أن نقول ذلك بعد الآن..لقد بات الرأي ((حول القضية)) أكثر علنية مما كان عليه أبدًا..”. 


صحيفة الاوبزرفر البريطانية