مشكلات الغيرة الأنوية في مراحلنا العمرية المتصاعدة، تشكل ضغطاً نفسياً واقتصادياً، فتسبب أزمات وصراعات تؤثر في العلاقات الشخصية والاجتماعية للأشخاص في تعاملهم مع الآخرين، وفي حين تشكل حالة طبيعية مقبولة في مرحلة الطفولة، لرغبة الطفل في الاستحواذ على الاهتمام والمحبة من الجميع، تغدو ضرورية في سن الشباب، إذا شكلت حافزاً للنجاح وتحسين مستوى العلم والعمل والتميز، لكنها ستشكل مشكلة حقيقة إذا لازمت الإنسان في كل شؤون حياته الشخصية والعملية والمهنية، فتغدو حالة مرضية تتسبب بتفاقم الصراعات والفرقة
في المجتمع.
أياً كانت الغيرة والمرحلة العمرية التي يمرّ فيها الإنسان، إلا أنها تشترك جميعها بأنَّ منشأها واحد وهو التربية التي تلقاها في الأسرة، وعدم الوعي والنضج الفكري الكافي للاعتراف وتقبل وجود الآخر، أو حتى نمو مشاعر الحب للآخرين، فضلاً عن تزامن ذلك بنمو حب الذات والأنانية، والرغبة بالحصول على اهتمام الجميع وأن يكون محط الأنظار والانتباه في المكان الذي
يتواجد فيه.
يأتي الشعور بالنقص مشكلاً عاملاً إضافياً في ولادة شعور الغيرة، فتنعدم ثقة الإنسان بذاته وبقدراته على تحديد أهدافه والستراتيجية اللازمة لتحقيقها، حتى ولو امتلك المؤهلات والإمكانات والمهارات التي تمكنه من المنافسة، فيفقد أي طموح عملي أو فكري، ويرى كل ما ينجزه الآخرون أهم من عمله، فتراه وتعويضاً لهذا النقص
يسعى لامتلاك أي شيء مهما كانت قيمته، ظناً منه أنه بذلك سينال احترام وتقدير الآخرين، فامتلاك السيارات وأحدث أجهزة الاتصال “موبايل وآيباد وسواها”، أصبحت تشكل هاجساً للشباب العربي، حتى ولو كانت أوضاعهم المالية لا تسمح لهم، يسعون للحصول عليها بأي ثمن، لأن أصدقاءه أو صديقاتها يملكون هذا الجهاز أو ذاك، الأمر الذي سيلحق بالأسر الفقيرة والمتوسطة الحال مشكلات اقتصادية
ومعيشية كبيرة.
جميل أن يملك الإنسان هدفاً وطموحاً للغد، وهو أمر مشروع وضروري وواجب، لكن المهم أن نتمكن من اختيار الأهداف ونرسم المستقبل الذي نريده بإرادتنا وبما يعبرّ عن ذواتنا وكياننا الشخصي، بعيداً عن المؤثرات الخارجية والنظر إلى ما لدى الغير، لِما لا نستخدم الغيرة كحافز للتميز بما هو أفضل، وتهنئة الآخرين بنجاحهم والتعلم منهم؟، والأهم البحث دائما عن الأكثر قيمة وفائدة لنا وللمجتمع، إنّ قيمة الإنسان الحقيقية هي في شخصيته وذاته، بما يملك من علوم ومعارف وقيم أخلاقية وإنسانية، وبما يتركه
من أثر إيجابي.