مراكز محو الأمية تواصل محاربة الجهل

ريبورتاج 2019/06/01
...

كربلاء/ زهراء جبار الكناني
غالبا ما يأكل الندم قلب وضمير كل انسان لا يجيد القراءة والكتابة عندما تضعه الظروف في موقف يتطلب منه قراءة عنوان ما، لاسيما اثناء مراجعته للدوائر الرسمية، وتجبره هذه المواقف على استعادة ايامه الاولى في المدرسة، والمصاعب التي جعلته يترك مقاعدها، في وقت واصل فيه اقرانه التحصيل الدراسي وحصلوا على وظائف مناسبة، كما قد يتذكر بعض اصدقائه الذين عادوا للدرس بعد سنوات طويلة من تركه عن طريق مراكز محو الامية واستطاعوا، في الأقل، تجاوز محنة عدم القدرة على القراءة والكتابة.
قصص العائدين الى مقاعد الدراسة في مراكز محو الأمية لكربلاء المقدسة تشيع الأمل, والجهود التي تبذلها تلك المراكز تؤكد ان باب التعلم لا يزال مفتوحا على مصراعيه، وان العلم يستحق بذل الغالي والرخيص في سبيله، اذ شتان ما بين نوره وظلام الجهل.
العرف القبلي
اثنت الحاجة الخمسينية ام يحيى على الجهود المقدمة من قبل المركز قائلة: لم ينصفني القدر لأتعلم في المدرسة وذلك  نتيجة للعرف القبلي السائد في القرية التي اسكنها, وكان ينص على عدم التحاق الفتاة بالمدرسة.
كان الحزن يعتريني لعجزي عن القراءة, وحين تسنت لي الفرصة للالتحاق بمركز محو الامية لم أتوان عن التسجيل والمباشرة بالدوام, اذ كان هذا المركز بمثابة يد امتدت لغريق, فها أنا أجيد القراءة وقد انتقلت من الصف الأساس الى الصف التكميلي  وبدأت أقرأ القرآن بلا مساعدة من احد.
وتقول الشابة نوال حسين:
مهما تحدثت لا يسعني ايصال شكري وامتناني لكل من أسهم بتأسيس هذه المراكز وكثيرا ما ادعو لهم في صلواتي، وتغمرني السعادة وأنا أتابع دروس أطفالي، فقد تركت مقاعد الدراسة في المرحلة الثانية للصفوف الاولية, ولم أدرك حينها أهمية التعليم, ولم يكترث والداي  لهذا الأمر, واحسست بالمرارة حينما ورزقني الله بأولاد وبقيت عاجزة عن متابعة واجباتهم المنزلية, ولان زوجي أميا أيضا وافق على أن التحق بالمركز، وقد تعلمت القراءة والحساب وتلاوة سورة الفاتحة وغيرها من السور القصيرة, ويعد هذا بالنسبة لي انجازا
 كبيرا.
 
تحدي الصِعاب
وعن رحلة تعليم ابنتها حدثتنا الحاجة ام هيثم قائلة: اعتراني الخوف وانا ادون اسم ابنتي في قوائم التسجيل للدراسات في المركز, رفض زوجي ان تلتحق ابنتي في المدرسة وباءت محاولاتي بإقناعه بالفشل, معللاً ذلك بان مصيرها الزواج فلم التعليم؟ وحينما علمت بافتتاح مركز لمحو الامية في قريتنا قررت تحدي الصعاب وتسجيلها من دون معرفته بذلك. 
وعمدت على اصطحابها معي للسوق كل صباح لتحضر الدرس وبينما أعود من التسوق انتظر موعد خروجها لتعود معي, بحجة مساعدتها لي بحمل ما ابتاعه, ولان زوجي يخرج لعمله صباحا ويعود مساء لم يشعر بشيء طيلة تلك المدة, لربما ما فعلته خطأ إلا إني لست نادمة عليه, فلا أريد لابنتي أن تلاقي مصيري.
بينما يقول ابو جعفر من مواليد  1960 والابتسامة لا تفارق محياه: أجيء كل يوم مع ولدي جعفر ليحضر الدرس وانتظره, حتى فاجأني استاذه
 بسؤاله:
هل تجيد القراءة والكتابة؟
اجبته بالنفي,  فطلب مني  ان ادخل الصف مع ابني لأتعلم بدل جلوسي خارجاً, اعتراني الخجل في بادئ الأمر, لكن الاستاذ حثني, واليوم انا  اجلس بجوار ابني في المقعد ذاته, وما زلنا نكمل المشوار معا, لا استطيع وصف شعوري وانا ابصر بنور تعلم
 الكلمات.
 
إدارة المراكز
يقول كاظم عادي مدير مركز المودة لمحو الأمية قسم الذكور الواقع في منطقة فريحة: يتكون مركزنا من شعبتين فيهما 48 دارسا, بأعمار متفاوتة, وهم ملتزمون بالحضور, والانتباه للدرس, وتحضير واجباتهم ومساعدة بعضهم بعضا في حل المشاكل التي تعيق حضورهم للدرس, كالصانع في محل أو الحارس، ونتحدث مع اربّاب عملهم لمساعدتهم  بغية الحضور وعدم التغيب, ولان الرجال لديهم مسؤوليات المعيشة المضنية لذا تكون اعدادهم
 قليلة.
وتؤكد مدير مركز المفاخر لمحو الأمية القسم النسوي الواقع في ناحية الحر سلمى سالم خضير: لقد بذلت مجهودا كبيرا في تأسيس هذا المركز فالبعض يخجل من الالتحاق به الا اني قمت بوضع اعلانات تحث على التسجيل كما وفرت وسيلة نقل لمن يكون بيتها بعيدا, حتى وصل عدد الدارسات لدي 80 دارسة من فئات عمرية مختلفة.
 
أسباب تفشي الأمية
وترى الباحثة الاجتماعية نور الحسناوي أن أسباب تفشي الأمية عديدة وتختلف من مجتمع إلى آخر ففي المجتمعات الفقيرة والدول النامية نجدها تشكل نسبة كبيرة تكاد تصل في بعض البلدان إلى (60 %) حسب احصائيات الأمم المتحدة بسبب الفقر والتخلف وانعدام المجال التربوي والتعليمي في تلك الدول، اما في الدول المتقدمة والغنية فالخلل يكمن في الحكومات وسياستها الداخلية تجاه شعوبها. 
ومن الضروري محاربة الأمية من خلال الإرشاد والإعلام  لاسيما  في المحافظات الجنوبية والقرى النائية إذ نجد أن اغلب مناطق الريف يعدون دخول الإناث إلى المدرسة عيبا ويمس تقاليدهم العشائرية التي توارثوها عن أجدادهم، وانعكاسات الأمية كارثية ولا يمكن حصرها وهي في النهاية تدفع  بالإنسان إلى الهاوية والمجتمع إلى التقهقر وبالتالي إلى دمار الأمم.
 
الجهات المسؤولة
ويقول مدير قسم محو الأمية في مديرية تربية محافظة كربلاء المقدسة حسن الصراف موضحا أن الجهات المعنية سعت للحد من الأمية وذلك بإنشاء مراكز تستقطب الدارسين وقد لاقت اقبالا واسعا في كل مناطق المحافظة, وتضمن المركز مرحلتين هما الصف الأساس والصف التكميلي ويمنح الدارس شهادة الصف الرابع واضيف لهذا العام الصف الخامس, كما لدينا مشروع بإضافة الصف السادس ايضاً.
وأضاف الصراف أن الدوائر باشرت بإرسال أسماء موظفي الخدمة والعاملين من الأميين وتم توزيعهم على المراكز القريبة من
 سكناهم. 
وقد بلغ عدد الدارسين من الإناث أكثر من الذكور, كما وضعت الوزارة قانون إنصاف غير المتعلمين إذ يمنح الدارس في محو الأمية شهادة تمكنه من إكمال تعليمه وذلك بالتقديم على الامتحان المسرع لمرحلة السادس الابتدائي, او تقدم هذه الشهادة لغرض التعيين في بعض دوائر الدولة او مشاريع العتبات المقدسة, وذلك لمنح هذه الشريحة فرصة في العمل, وهناك ايضا من يحصل عليها لأجل ان يكمل تعليمه وهذه حالة نادرة إذ نجد شخصا واحدا بالمليون يسعى لذلك من
 الدارسين.
 
منحة للدارسين
ويؤكد مدير تربية محافظة كربلاء المقدسة عباس عودة أن الحكومة اهتمت بهذه الشريحة اذ باشرت وزارة التربية بتشكيل هيئة عليا لمحو الأمية وتم إصدار قانون محو الأمية رقم 23 لسنة 2011 وكلفت الوزارة مديرياتها العامة في المحافظات للبدء بخطة عمل حيث هيأت المراكز الخاصة والملاكات التعليمية لاستقبال الدارسين كما وفرت لهم منهاجا خاصا وقد بلغ عدد المراكز64 مركزا موزعا بين جميع نواحي المحافظة، من بينها 11 مركزا لفرقة العباس القتالية التي أسهمت في هذا الجانب بإنشاء مؤتمر وورش  لمحو الامية تتناول كيفية  تطوير العمل حيال
 المراكز. 
ونناشد الجهات المعنية بإعادة النظر في القرار الذي صدر في العام 2014 والخاص بمنح كل دارس مبلغا قدره 40 الف دينار, فبرغم زهد المبلغ  الا انه كان يعد حافزا كبيرا للدارسين.