الجدل من حيث هو مرض عقلي - نفسي

آراء 2024/04/24
...

 محمد الكرخي


“إن الاعتراض على الآخر من أجل ذات الاعتراض، دون تفكير ولا تأمل في الأسباب التي دفعت الآخر، لتبني رأي مختلف عن رأي المُعارِض جدلاً”، لهو داء عضال في جسد الثقافة العربية عموماً والثقافة العراقية خصوصاً.

لا يمكن للمثقف أن يكون منتجاً مبدعاً في عالم الفكر، إن كان متحجر الذهن، غير قادر على فهم الآخر، وإن كان لا يرى العالم إلا من موقعه الفكري، الذي اكتسبه لأسباب عديدة قد لا تمت لملكاته العقلية بأية صلة.

إن استعمال المعلومات المحفوظة من قبل البعض لغرض الجدل، هو واحدٌ من أسباب تردي واقعنا الفكري - الثقافي.

إن هؤلاء البعض يجادلون باعتمادهم على جزء من المعلومات المرتبطة بالموضوع المطروح للنقاش إلى للفهم، وهم لا يستطيعون إدراك باقي المعلومات المرتبطة بمستويات مختلفة وزوايا عديدة بذات الموضوع. 

وما يدعم هذا الأسلوب في التحاور، هو سيادة المنطق الأرسطي في وعي ولا وعي المُجادل. 

وهم يجادلون استناداً لمعرفتهم الذاتية التي اكتسبوها طوال حياتهم الفكرية، ويتخذون منها حجة مُلزِمة لمن يجادلونه، أما تماسك منطق الفكرة الجديدة عليهم، فهو مما لا يلزمهم بشيء، والعديد منهم لا يضعه في الحسبان أصلاً. 

وبعض من هؤلاء، صاروا يجادلون في الواضحات، باتخاذهم واقع “تعدد زوايا النظر للموضوع المبحوث فيه” كمنطلق للمعارضة، في حين هو موضوع لا يستحق إطالة النظر ولا يقبل تعدد الآراء [سرقة المال العام مثلاً].

سأضرب مثالاً حياً لإيضاح الفكرة: (عندما نحاول الكشف عن سلبيات نظام سياسي ما في الحاضر إلى الماضي، فإن أصحابنا المجادلين يذكروننا: بأن لكل نظام سياسي سلبياته وإيجابياته، ولنكن موضوعيين، فإنه يجب علينا أن نضع سلبيات النظام السياسي في كفة، ونوازنها بإيجابياته في الكفة الأخرى، وبحسبهم فإننا بكل تأكيد سنصل إلى الحقيقة التالية: “إنه نظام سياسي كأي نظام سياسي آخر، وبالتالي إن كان هذا النظام ابن الماضي، فليس من واجبنا “إدانته” وإن كان ابن الحاضر، فمن غير المنصف إدانته، بل يفترض بنا دعمه والتأمل في إيجابياته خيراً) 

هذا الأسلوب في الجدل، منتشر في جميع المجالات العلمية- الثقافية من قبيل: الفلسفة والتاريخ والدين والسياسة.

فما فائدة أن يحكم القارئ- الكاتب- المثقف على الفيلسوف “س” بأنه فيلسوف فاشل، وهو لم يقرأ له حرفاً واحداً، وإن قرأ له، فإن قراءته مجرد تحريك للسان وحفظ لبعض الكلام دون كشف الترابط المنطقي لنسق الفيلسوف “س”؟ وما معنى أن يقدس القارئ-الكاتب- المثقف؛ الفيلسوف “ص” دون أن يقرأ لفلاسفة آخرين؟ [قد لا يمكن تخطئة أي فيلسوف، إن فكرنا في آرائه من داخل نسقه الفلسفي]. 

وما فائدة أن يبدي القارئ-الكاتب-المثقف رأيه في موضوع ما، وهو يجهل أبجديات الموضوع؟ 

وما معنى معارضته لكبار المفكرين في موضوع ما، دون أن يأتي ولو بعشر ما قدمه هؤلاء المفكرون في سبيل الموضوع قيد البحث؟. 

إن الجدل ظاهرة صحية، في حال كان المُجادل يجادل الآخر من أجل الاستزادة أو لكشفه ضعفاً في منطق الآخر، أما مجادلة الآخر، دون فهم رؤيته ودون كشف نواقص منطقه، فهو مرض عقلي خطير وجب 

استئصاله.