سعر الفائدة.. وقدر الماء البارد

آراء 2024/04/24
...









 د.حامد رحيم


 عند نشوب الحرائق وعند ردة الفعل الأولى للافراد القريبين من الحدث، ينصرف الذهن بشكل مباشر إلى الماء باعتباره نقيضا منطقيا للنار، فتتسارع الايادي للحصول عليه من اقرب مصدر لتعالج به الحرائق قبل وصول سيارات الدفاع المدني المحملة بالماء، التضخم ولهيبه الذي يأكل القيمة الحقيقية للنقود في النشاط الاقتصادي ويحول تلك الأرقام العالية (اسميا)، للدخل إلى رماد تذره الرياح، خصوصا عند ذلك النوع الذي يسمى (بالتضخم الجامح) أو يأكلها بشكل تدريجي عند نوع (الزاحف)، الذي ينتج عن تجاهل أو التباطوء بالمعالجة وغيرها من الأنواع التي تؤثر على القدرة الشرائية، والتي تجعل الأفراد في استهلاكهم للسلع والخدمات اليومية في تراجع مستمر وهذا ما حصل مرارا في تجارب كثيرة مثل ما حصل عندنا في تسعينيات القرن المنصرم، وكان جامحا وحصل في السنوات القليلة الماضية نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار بمستويات اقل كما وحصل في الارجنتين وفينزويلا وغيرها من الأمثلة الشاخصة للباحث الاقتصادي.

المراقب للتقارير العالمية يلمس طبيعة السياسيات النقدية المتبعة في أوروبا الغربية (الاتحاد الأوربي) وغيرها من الدول مثل بريطانيا وامريكا الشمالية في الآونة الأخيرة في محاولاتها، لكبح جماح التضخم الناجمة عن التحسنات في النشاط الاقتصادي بعد جائحة كورونا، انها تبدو كصرخات استغاثة من (سخونة) الحدث المرافق للنمو الاقتصادي، أنها محاولة لتلافي خطر الحرائق، الذي قد يأتي على دخول الافراد ليحولها إلى «هشيما تذره الرياح» واستنادا إلى خصائص الاقتصاد في تلك الدول فان دور (قدر الماء) سيكون بكل تأكيد لسعر الفائدة أو كما يسمى في ادبيات السياسية النقدية الحديثة (بالمثبت الاسمي)، ليقدم صورة عن دور السياسية النقدية في مواجهة التضخم باعتباره كما يصفه الاقتصادي (فريدمان)، بأنه ظاهرة نقدية، وكما هو واضح في التقارير الدولية، فإنا لا نجد حيث في قضايا التضخم إلا عن قدر الماء البارد، تارة يرفع وتارة أخرى يثبت وعند قلة سخونة التضخم يعاد سعر الفائدة إلى انخفاض.

إن هذا المعادلة القائمة في الاقتصادات المشار اليها تعود إلى فكرة (المقايضة) بين معدلات النمو وأثر التضخم، فارتفاع سعر الفائدة يقوض من قدرات الاقتصاد على تحقيق معدلات نمو مرتفعة، لأن أثره انكماشي كونه يرفع من كلف الاستثمار ويحفز الادخار ومن ثم يقلل من معدلات الطلب الكلي والعكس صحيح، وأن جوهر الشد والجذب يكمن في نقطة الصراع بين السياسية النقدية الباحثة دوما عن الاستقرار في المعدل العام للأسعار والسياسية المالية للحكومات الباحثة دوما عن معدلات نمو عالية دعما للأداء السياسي لها، وهذا ما يفسر الخلاف بين الإدارة الامريكية في عهد (ترامب) والفيدرالي الأمريكي على اثر موجات التيسير الكمي البتي اطلقتها الحكومة الامريكية في 

جينها. 

في اقتصادنا العراقي لا دور معتدا به لذلك القدر من الماء البارد، ولا يكاد يؤثر سعر الفائدة على مجريات الحدث الاقتصادي بل احتل سعر الصرف مكانة المثبت الاسمي نتيجة للاختلال الهيكلي، الناجم عن ضعف أداء الجهاز المصرفي وظاهرة الاكتناز وهيمنة التجارة الخارجية على الطلب الداخلي من السلع، والادهى من ذلك نلاحظ فاعلية السياسية المالية في مواجهة موجات التضخم عبر سياسات دعم السلة الغذائية وغيرها، وإن كانت سياسات ضبط سعر الصرف من قبل البنك المركزي تحافظ على المعدل العام للأسعار عبر سياسية (التعقيم النقدي)، لها الأثر في الحفاظ على المعدل العام للأسعار دون حدوث التقلبات الا انها تعد سياسية فاعلة في الظروف الاعتيادية لذلك فان التضخم في العراق، هو من النوع (القافز)، أي يحث بشكل مفاجئ نتيجة لعوامل خارجية مستوردة مثل أزمات الحروب وغيرها، وعندها تعجز منظومة (إطفاء الحرائق) لدى البنك المركزي من السيطرة، فتتصدر السياسية المالية المشهد لتحافظ على الأسعار من الانجرار نحو التضخم الجامح.

العيب يكمن في كلف السيطرة على التضخم في العراق فهي مرتفعة جدا سواء عبر السياسية النقدية وما تضخه من مبيعات كبيرة في مبيعات النافذة أو سياسات الدعم الحكومي للسلة الغذائية وغيرها.