مرامي الصين من غزو الفضاء

بانوراما 2024/04/24
...

 آيدان يوهانان 

 ترجمة: أنيس الصفار  


في الشهر الماضي اجتاحت شائعات وسائل الإعلام اجتياح العاصفة تقول إن روسيا طورت سلاحاً نووياً متموضعاً في الفضاء. التكنولوجيا قيد البحث، التي نعتها رئيس لجنة الاستخبارات لدى مجلس النواب “مايك ترنر” بأنها “تهديد خطير للأمن القومي”، جعلت كثيرين في واشنطن يتساءلون كيف تخطط الولايات المتحدة من جانبها لاستثمار الاهمية الستراتيجية للفضاء الخارجي. لكن روسيا ليست اللاعب الأشد تصميماً في ميدان الفضاء، لأن هذا الشرف سبقتها اليه جمهورية الصين الشعبية التي تمتلك خطة واضحة المعالم لفرض هيمنتها على الفضاء الخارجي، والتي تغذ السير قدماً بدعم كامل من القوى الفاعلة في بكين.


ستراتيجية الصين

تتضمن ستراتيجية الصين للفضاء الخارجي عدة أمور: من أعمال التنقيب عن المعادن على الكويكبات إلى زيادة أعداد الأقمار الاصطناعية التي تنشرها جمهورية الصين من اجل تطوير نظام ملاحة منافس لنظام “جي بي أس” الأميركي. إلا أن هدفها النهائي واضح، فهو يتمثل بتعزيز القدرة الوطنية الشاملة للدولة. وكما أكدت جمهورية الصين الشعبية في برنامجها المعلن فإن استكشاف الكون الشاسع وتطوير صناعة الفضاء وجعل الصين قوة فضائية سوف يبقى حلمها الأزلي.

تبعاً لذلك حقق برنامج الفضاء الصيني وثبات هائلة على مدى السنوات الأخيرة. فقد دخلت محطة “تيانغونغ” الفضائية الصينية مدار الأرض لأول مرة في نيسان 2021، واستضافت منذ ذلك الحين ستة طواقم منفصلة من رواد الفضاء. وفي العام الماضي اعلن “شانغ كياو”، وهو باحث من الاكاديمية الصينية لتكنولوجيا الفضاء، أن المحطة سوف يتضاعف حجما مستقبلاً لكي تصبح قادرة على تأمين الدعم لأكثر من 100 مشروع بحث علمي كانت تجرى في المدار او لا تزال مستمرة على ذلك. كما تمكنت الصين في العام 2020 بنجاح من جمع مواد قمرية عن طريق مهمتها “تشانغ إي-5”، وانزلت المركبة الجوالة “شورنغ” على سطح المريخ في آذار 2022 وأنجزت رقماً قياسياً في الاطلاقات المستهدفة بلغ 67 اطلاقاً خلال العام 2023.

وكشف باحثون من “معهد هاربن للتكنولوجيا”، شمال شرق الصين، مؤخراً عن خطط لبناء منشأة مأهولة على القمر، مستعرضا مقطع فيديو حديث مترجم للمؤتمر السنوي الثالث لعلوم الفضاء خطة لبناء منشأة قمرية واسعة الابعاد أبرز ما فيها هو احتواؤها على مرافق تحت السطح للسكن ومختبرات للابحاث ودفيئة لزراعة النباتات، إلى جانب اسطول من المركبات المسيّرة ونظام كهروضوئي لتوليد الكهرباء ودورة مغلقة لدعم الحياة وغير ذلك المزيد. الغرض المعلن من هذا المشروع، الذي يتولى إدارة دفته “ماي هونغ يوان” كبير مهندسي “معهد هاربن للتكنولوجيا”، هو دراسة التركيب الكيمياوي لسطح

 القمر.

تستمد الصورة المقترحة في الفيديو مادتها بقوة من ورقة بحث نشرتها “مجلة استكشاف اعماق الفضاء” الصينية سنة 2022 تحت عنوان “بحث في تصاميم خطط لبناء قاعدة قمرية صينية مستقبلية”. يعرض البحث امكانيات لعدة تصاميم مختلفة للمنشأة القمرية الصينية ويؤكد حقيقة أن القمر هو التابع الطبيعي الوحيد للأرض، وأن على الدول انشاء قواعد قمرية لاستغلال موارد القمر الطبيعية.


الاهتمام الأميركي بخطط الصين 

السبب الأول هو أن فرصة نجاح هذه الخطط وتحولها إلى حقيقة واقعة كبيرة بالفعل. فالصين، كما يعلم كثيرون اليوم، ليست بالضيف الطارئ على المنجزات المعمارية العملاقة (مثل سور الصين العظيم والقناة الكبرى وسد الأخاديد الثلاثة.. الخ) وهي تضع الخطط منذ الان لإرسال أول مهمة مأهولة إلى القمر بحلول العام 2030 لتعقبها لاحقا بإنشاء قاعدة دائمة هناك. كما إن جدارة مهندس خطة القاعدة القمرية الصينية الجديدة ومؤهلاته شواهد على جديّة المشروع، فالسيد ماي عضو في الحزب الشيوعي الصيني وله ارتباطاته السياسية بالقيادة الصينية، مع خبرة مهنية شهدت عليها تصاميم منشآت دورة الالعاب الاولمبية الشتوية 2022 ومنشآت مجلس الدولة ومعهد هاربن للتكنولوجيا. لذا فإن مخططات تصاميمه الخاصة بالقاعدة القمرية تشي بقدر لا يستهان به من المصداقية.

السبب الثاني هو أن القاعدة القمرية الصينية تمثل تحدياً اقتصادياً للمصالح الأميركية، لأن سطح القمر مستودع غني بأنواع عديدة من المواد الحساسة ذات الأهمية. أهم هذه المواد على وجه التحديد هو “الهيليوم 3” (نظير غير مشع يوجد بوفرة كبيرة على سطح القمر) الذي يغطي مدى واسعاً من الاستخدامات أبرزها دوره في تشغيل مفاعلات الاندماج النووي. هنالك ايضاً الالمنيوم والسليكون اللذان يتواجدان بوفرة على سطح القمر، ومعنى هذا ان المهندسين الصينيين سيتمكنون من استغلال التربة القمرية لانتاج الالواح الشمسية والمنشآت المنتجة بالطابعات ثلاثية الابعاد. وكما يعبر عالم القمر الصيني “أويانغ شيوان”: “قد يصبح القمر للإنسان مصدر امداد جديد وهائل بالطاقة والموارد.. وهي أمور بالغة الأهمية للتنمية المستدامة للبشر على وجه الارض.. لذا فإن من يسبق غيره إلى غزو القمر سيكون اول الغانمين.”


الطموح الأميركي مقارنة بالصيني

إن اخضاع القمر للنشاط الصناعي سيكون جزء جوهرياً مما تعتبره الصين “منطقة اقتصادية بين الأرض والقمر وارداتها 10 ترليونات دولار سنوياً”. في نهاية المطاف سوف تصبح القاعدة القمرية الصينية مستودعاً مهماً للموارد وقاعدة وثوب تنطلق منها جمهورية الصين صوب اعماق الفضاء. 

وما لم تتصد الولايات المتحدة لهذه الحقيقة فسوف تلفي نفسها قد نحيت جانباً دون الحصول على أي من المغنمين، المادي والرمزي، اللذين تهدف الصين للاستيلاء عليهما، وهذا هو بالضبط الخطر الذي تواجهه الولايات المتحدة في الوقت الحاضر. طموحات أميركا لا تزال متواضعة بالتأكيد، إذ إن حجر الزاوية الذي تقوم عليه خطط الفضاء الأميركية، وهو برنامج “آرتيمز” الذي تتولاه وكالة “ناسا”، اقل طموحاً بكثير من المشروع الصيني وهو يفتقر إلى الرؤية الستراتيجية المناسبة لجعل أميركا أمة منافسة في ارتياد الفضاء. كل ما ذكرنا قابل للتحقق ولكن بتكاليف باهظة. لقد برهنت الصين ببلاغة ووضوح من خلال خططها القمرية ان عقارب الساعة مستمرة في الدوران، وعلى أميركا اذا ما شاءت اغتنام الفرص الستراتيجية التي يتيحها لها التطوير القمري بالفعل أن تبدأ التفكير أكثر حول الكيفية التي سيمكن للفضاء أن يخدم بها المصالح القومية على المدى البعيد.


عن مجلة {ذي ناشنال إنتريست}