لا تنمية حقيقيَّة من دون تعداد السكان

آراء 2024/04/25
...







 نرمين المفتي

توقعت وزارة التخطيط في تصريح صحفي للمتحدث باسمها، عبد الزهرة الهنداوي، في تشرين الثاني 2022، ان عدد سكان العراق سيكون تقريبا 50 مليون نسمة مع سنة 2030. وهذا الرقم ليس صغيرا، بل هو رقم صعب قياسا إلى الظروف الاجتماعية والاقتصادية والتنموية، لذلك اضاف الهنداوي في بيانه إن «تلك الزيادات السكانية تحتاج إلى سياسات تستوعبها وتحولها من عبء إلى محركات تنموية فاعلة»، خاصة في ظل عدم اجراء اي تعداد عام للسكان منذ 1997 والذي لا يمكن الاستناد اليه لانه كان ناقصا، اذ غابت عنه محافظات اقليم كردستان.. واستنادا إلى عدد من الدراسات، فإن افضل تعداد علمي وفني تم اجراؤه في 1977، وإن كان الاعتماد واضحا في الكثير من الدراسات والقرارات السياسية والتوزيع السكاني. واذ اصبحت الادارة تعتمد على اللامركزية، تكون الحاجة إلى اجراء تعداد عام للسكان في العراق ملحة جدا، بدءا من تقسيم الموازنة العامة وليس انتهاء بالإعمار والبنى التحتية.
وكان من المفترض ان يجري التعداد السكاني في العراق في 2004، وكان جليا ان الهدف منه سياسي اكثر من كونه تنمويا.. وتم تأجيله إلى 2007، لكن الظروف الامنية والسياسية أدّتا إلى تأجيله كلما أُعلن عن اجرائه، مثلا في 2010 حين كانت الخلافات على اشدها على المناطق المختلف عليها. ويشير موقع هيأة الاحصاء إلى اهمية التعداد العام للسكان وهي توفيرها «مؤشرات إحصائية شاملة عن المتغيرات السكانية والاجتماعية والاقتصادية والسكنية على مستوى أصغر الوحدات الإدارية، ولكل من الحضر والريف، وكذلك تنفيذ المسوحات الديموغرافية بالعينة ما بين التعدادات كمسح الظواهر الحياتية، مسح الخصوبة، مسح الهجرة».. وفي جلسة اقامها قسم الدراسات الاقتصادية في بيت الحكمة بعنوان (التعداد العام للسكان- إضاءة مرتقبة على طريق التنمية في العراق)، للدكتور مهدي محسن العلاق، رئيس الجمعية العراقية للعلوم الإحصائية والمستشار الوطني للتعداد، في شباط 2021، اشار رئيس الجلسة عن أهمية التعداد العام للسكان في وضع الخطط الاستراتيجية ورسم وتنفيذ السياسات الاقتصادية للدول.
مشيراً إلى «أنه في الوقت الحاضر لم تعد أهمية التعداد مقتصرة على الحكومات فحسب، بل تعدى ذلك إلى الأفراد والمؤسسات والشركات، لأن معطياته تعد مرتكزات مهمة تعتمدها هذه الجهات في اتخاذ القرارات الاستثمارية وغيرها».
ومن المرتقب ان يجري التعداد السكاني في العراق هذه السنة كما اعلن وزير التخطيط محمد تميم، في شهر اذار الماضي، محددا موعد الاجراء التجريبي الأولي في شهر ايار القادم، فيما سيكون التعداد النهائي في العشرين من شهر تشرين الثاني. وشدد على أن «إجراء التعداد يمثل أهمية كبيرة، إذ لم يُجر تعداد تنموي منذ سنواتٍ طوال»، مشيراً إلى أن «هذا المشروع مثبت بالبرنامج الحكومي، ويحظى بأولوية كبيرة، وهناك رغبة حقيقية في تنفيذه».
واعلنت هيأة الاحصاء ونظم المعلومات الجغرافية عن التعاقد مع اربع شركات عالمية، استعدادًا لاجراء التعداد العام للسكان والمساكن.. واستنادا إلى بيان صادر عنها فإن الشركات التي جرى التعاقد معها هي من جنسيات امريكية وفنلندية وكندية وصينية. وستتولى احدى هذه الشركات تجهيز وتنصيب وتشغيل اجهزة ومعدات واثاث لمركز اتصالات وغرفة عمليات التعداد، فيما تقوم الشركة الثانية بعملية تجهيز وتنصيب وتشغيل اجهزة ومعدات واثاث لمركز البيانات الرئيس ومركز البيانات البديل للتعداد، وتتولى الشركة الثالثة تنفيذ انظمة تطبيقات التعداد وحلول أمنية البيانات الخاصة بالتعداد، اما الشركة الرابعة فستقوم بتجهيز الاجهزة اللوحية، والتي يصل عددها إلى اكثر من 120 الف جهاز لوحي، لاستخدامها في تنفيذ التعداد الكترونياً.
لا بد من القول ان اية خطة، مهما كانت مداها، للتنمية لن يُكتب لها النجاح بدون اجراء تعداد عام للسكان، وتأتي، قطعا، في مقدمتها تنظيم السكان والسيطرة على نسبة الولادات الجديدة. ويوضح التعداد، ايضا، الحاجة إلى الايدي العاملة في جميع المجالات والحاجة إلى التعيينات في المجال العام وايقاف ترهله الذي يرهق الموازنة العامة.. فضلا عن تثبيته لعدد المدارس التي من الواجب تشييدها، وكذلك المستشفيات والمجمعات السكنية وغيرها من مشاريع البنى التحتية الضرورية. ونقل موقع «ارفع صوتك» عن سعد محسن، في بحثه «التعدادات السكانية التي جرت في العراق»، ان بلاد الرافدين عرفت «تعدادات سكانية» منذ عهد السومريين. وقال «ان تلك التعدادات كانت تجري لأغراض اقتصادية وعسكرية، من أجل تحديد الذكور الشباب القادرين على حمل السلاح أو عدد التجار والأسر الغنية التي ستدفع الضرائب». ومن بين تلك التعدادات، أشار إلى حاكم لجش، كوديا، 2144- 2124 ق.م. كان قد اجرى تعدادا لسكان إمارته انتهى بتقدير عددهم بنحو 450 ألف نسمة.