أطفال إقليم تيغراي يواجهون الموت جوعاً

بانوراما 2024/04/25
...

 أمير أمان كيارو
 ترجمة: بهاء سلمان

يبدو أن الوقائع البشعة للحرب والجفاف قد ظهرت في إقليم تيغراي الأثيوبي كنتيجة كارثية لما مضى من أزمات طبوغرافية وسياسية في هذا الجزء من أثيوبيا. تقف {تنسيو هيلوف}، وسط أرض قاحلة، فهي أرملة ترعى أربعة أطفال خلفتهم شقيقتها بعد وفاتها قبل فترة قليلة. وقد قتلت حرب السنتين بين القوات الحكومية والمحلية واحدا من أبنائها، أما الباقون فهم بعمر البلوغ منذ عدة سنوات. وتسبب أزمة نقص الغذاء الحالية بعد جفاف الإقليم بأمراض سوء التغذية للأطفال.
وتحاول هيلوف جمع البذور والخضار الشحيح من الصحراء المليئة بالصخور؛ لكنّها لجأت مؤخرا إلى مركز “فيناروا” الصحي القريب، جنوب شرقي تيغراي للحفاظ على حياة طفل رضيع بعمر سنة واحدة، معلقة: “عندما نجوع، نأكل أي شيء من الصحراء. وخلاف ذلك، فلا شيء”.
وانضمّت هذه المرأة المنكوبة إلى عدة أمهات يطلبن المساعدة من المركز ضمن منطقة “نيبار هادنيت” النائية. وإشتكت أم لخمسة أطفال من جفاف حليب ثديها لإرضاع طفلها ذي الثمانية أشهر. وقالت أم أخرى لتؤامين أنها بحاجة إلى أكياس لطعام الأطفال كي يبقى “طفلاها على قيد الحياة”.
تيغراي تتحسس السلام، لكن تأثيرات الحرب تبقى لفترات طويلة، متفاقمة بالجفاف وسوء إدارة المعونات، متسببا بإيقاف الأمم المتحدة والولايات المتحدة مساعداتهما العام الماضي.
يرتسم القلق على وجوه الأمهات البائسة، فيرمقن بلا حول ولا قوة ضعف أطفالهن جرّاء سوء التغذية. ولقي نحو أربعمئة شخص حتفهم جوعا في تيغراي وإقليم أمهرة المجاور قبل أكثر من سنة، بحسب دائرة تحقيقات الشكاوى الوطنية، وهو إقرار نادر للوفيات المتعلّقة بالجوع بسبب سوء ادارة الحكومة للأزمة. وتم تسجيل معظم الوفيات في تيغراي، (سكانها خمسة ملايين نسمة). قبل توقيع اتفاقية السلام أواخر العام 2022، كان الإقليم عبارة عن مشهد لحرب طاحنة بين القوات الاتحادية وقوات الحزب المبعد عن السلطة حاليا. وبعد نهاية الصراع، أوقفت الأمم المتحدة والولايات المتحدة المعونات الغذائية عن تيغري بسبب سرقات الحكومة للحبوب الواردة ضمن المعونات الانسانية. تبع ذلك موسم زراعي جاف، وساهم غياب الأمن بزراعة 49 بالمئة فقط من حقول تيغراي الزراعية خلال العام الماضي، بحسب تقييم الأمم المتحدة والسلطات المحلية. وبلغ إنتاج محاصيل هذه المناطق 37 بالمئة فقط من الاجمالي المتوقع بسبب الجفاف؛ وبعض المناطق شهدت مستوى إثنين بالمئة، وفقا للتقييم المذكور.

مخاوف من المستقبل
حفّز موسم الحصاد الهزيل سلطات تيغراي للتحذير من “مجاعة ظاهرة للعيان” من التي ربما توازي في شدّتها ما حدث من مجاعة خلال سنتي 1984 و1985، التي حصدت أرواح مئات الآلاف شمالي اثيوبيا، إلا إذا ارتفعت الاستجابة لطلب المساعدات. وبدأ تصل المواد الغذائية إلى الإقليم في النصف الثاني من العام الماضي، لكن نسبة صغيرة فقط من المحتاجين داخل الأقليم يتلقون المساعدات الغذائية، بحسب عمال الإغاثة.
فيناروا، تجمع سكاني زراعي يضم نحو ثلاثة عشر ألف فرد، يعد من بين أسوا الأماكن التي تأثرت بهذا الحال؛ فلا يزال المركز الصحي للبلدة يعمل بمعدات حطّمتها الحرب، وبعض غرفه مهجورة. ويقول “تاديس ميهاري”، الموظف المسؤول عن المركز بأن غياب الطعام في المنازل يجبر الأطفال على الفرار وممارسة التسوّل في البلدات المجاورة، ويضيف: “لا يوجد طعام هنا، بالتالي، ولأجل الحصول على الطعام، يتجه الناس إلى أي مكان، بعيدا عن هنا؛ لذا وفي هذه المنطقة، يشعر الكثير من الناس بالمعاناة، فهم يتضورون جوعا، ويفقدون حياتهم بسبب انعدام الطعام.”
بعض المسؤولين لا يمكنهم التجاوب، مع شعورهم بالعجز تجاه الأزمة، استمع “هايال غيبريكيدين”، رئيس بلدية نيبار هادنيت لخمس سنوات إلى مطالب القرويين  في مكتبه. كان من بينهم أرملة لديها عشرة أطفال، تذرف الدموع شاكية من أن خمسة منهم قد تمرّضوا بسبب الجوع، وطلبت منه المساعدة والطعام، غير إنه أخبرها بعدم وجود أي شيء يمكن تقديمه لها.
وأشار هايال إلى أن وسيلة الوصول إلى المياه تمثل تحديا جديدا، فمن بين 25 بئرا كانت سابقا تديم التجمّع السكني وحيواناته، بقيت خمسة منها فقط تعمل؛ ويسير الناس لأكثر من ساعة ونصف للحصول على الماء، حسب قوله. فالجفاف الذي يضرب الأقليم معناه أن بعض المناطق التي كانت عادة تشهد هطولا مكثفا لستين يوما خلال موسم الأمطار قد مرت بها أيام قليلة جدا من تلك الأمطار. لكن بعض المزارعين لم يستسلموا؛ فقد واصل “هايل كيرستس”، سبعين عاما، حراثة أرضه الجافة وزراعة الذرة الرفيعة في قرية ميسيبو، رغم أن المطر “هطل مرتين فقط خلال موسم الأمطار الماضي،” كما يقول.
كانت الأرض خصبة ومليئة بقطعان الماشية، لكنها حاليا ساحة جرداء، ومع ذلك فهو لا يزال متفائلا حتى بعد الإخفاق الذي رافق موسم الحصاد الماضي. مع أن حراثة الأرض لا تبدأ حتى يحل موسم الأمطار في آيار أو حزيران، شرع هذه السنة بالعمل مبكرا، مدفوعا بحاجته الماسة إلى الطعام. وتحدث عن مزارعين قاموا ببيع ثيرانهم وأدوات الزراعة لأجل إطعام عوائلهم.
بالنسبة له، تبقى ذكرى مجاعة عقد الثمانينيات تطارد مخيّلته، ويقول: “لقد أثّرت المجاعة على المنطقة برمتها آنذاك، والآن، وفي بعض المناطق، الأمر سيئ بنفس النسبة، أو لربما أكثر.”
وكالة اسيوشيتد برس الاخبارية