في الاتحاد الأوروبي.. تعاونيات الطاقة النظيفة تكتسب تأييداً
بول هوكينوس (من برلين)
ترجمة: مي اسماعيل
أصبحت تعاونيات المواطنين لتوليد الطاقة النظيفة في خمس دول أعضاء بالاتحاد الأوروبي (بلغاريا وكرواتيا وألمانيا واليونان وبولندا) تحدث فرقا للتحول نحو الطاقة النظيفة في أوروبا. تتنامى حركة الطاقة للمواطنين في الاتحاد الأوروبي؛ وإن كان بشكل متقطع؛ خاصة مناطق جنوب وشرق وسط أوروبا؛ حيث لم تكن كميات انتاج الطاقة النظيفة معروفة حتى وقت قريب. كانت تشريعات الاتحاد الأوروبي الرائدة عام 2019 العامل الدافع لهذا النمو، والتي نصت على أنه بحلول عام 2024، يجب أن تكون مجتمعات الطاقة النظيفة (مثل آلاف عديدة منها منتشرة بالفعل عبر شمال القارة) قادرة على العمل في كل دولة عضو.
يتحتم على كافة دول الاتحاد الأوروبي عند نهاية العام الحالي بأن تتبنى تشريعات تُمكِّن «مجموعات التعاونيات» في مجال الطاقة المتجددة من امتلاك وتشغيل مجمعات الطاقة الخاصة بهم وبيع ومشاركة الطاقة التي ينتجونها. وهذا سيُساهم بعدّة طرق لتصبح محايدة مناخيا بحلول عام 2050؛ وهو الهدف الأساسي للصفقة الخضراء الأوروبية.
رغم أن تحويل مستهلكي الطاقة إلى منتجين ومستهلكين في ذات الوقت (prosumers: اشخاص يستهلكون الطاقة التي ينتجونها بأنفسهم) يُعتبر أمرا مركزيا لتعاونيات انتاج الطاقة النظيفة؛ فإن تلك المجتمعات تقف على عتبة إنجاز ما يتخطى مجرد انتاج الطاقة الكهربائية الخضراء. ولدت “حركة المواطنين لإنتاج الطاقة-The citizen energy movement “ في ألمانيا والدنمارك خلال ثمانينات القرن الماضي، وهي تتعلق بمفهوم “ديمقراطية الطاقة- democratizing energy”؛ بينما كان قطاع الطاقة يشكو من هياكل هرمية جامدة وعمليات غير واضحة. في الماضي كان المستهلكون يدفعون قوائم اجور الطاقة ليحصلوا على التدفئة وغيرها بضغطة زر، ودون طرح الاسئلة. لتبقى الاعمال المُوحلة لإستخراج المعادن وتوليد الطاقة بعيدا عن أنظار الناس، وغالبا ما تكون مصادرها خارجية ومن بلدان أخرى.. وقد جنت منشآت توليد الطاقة أرباحا هائلة؛ دونما طرح أي أسئلة هناك أيضا.
النموذج الألماني
دفع تلوث الهواء ومخاطر استخدام الطاقة النووية ثم تغيرات المناخ المواطنين القلقين إلى التحرُّك لمواجهة الأمر. واعتمد روّاد المبادرة في ألمانيا على نموذج “التعاونيات-Genossenschaften” الذي يعود إلى القرن التاسع عشر لتنظيم المواطنين وجمع المال لشراء مزارع شمسية وحدائق الرياح؛ وحتى شبكات كهرباء كاملة. نال هؤلاء خلال تسعينات القرن المنصرم الحق ببيع انتاجهم إلى المنشآت، ومع بداية القرن الحالي حصلوا على أسعار محددة تضمن سداد استثماراتهم. كان انتشار التعاونيات بمثابة خطوة أولى حاسمة في عملية “Energiewende” لتحول ألمانيا إلى الطاقة النظيفة، والتي باتت ثمارها اليوم تزود البلد بأكثر من نصف احتياجها من الطاقة.
توجد اليوم في ارجاء أوروبا أنواع متعددة من تعاونيات انتاح الطاقة؛ لكنها لا تكتفي بالتركيز على الطاقة الشمسية وطاقة الرياح الخالية من الكربون (صفر كربون) فحسب؛ بل أيضا على كفاءة استخدام الطاقة والتخزين والكتلة الحيوية والنقل المستدام والمرونة. بعض تلك التعاونيات صغير؛ لا تضم سوى بضعة أعضاء. لكن غيرها (مثل “EWS Schönau” في ألمانيا، و”Ecopower” في بلجيكا) تزود عشرات آلاف المنازل بالطاقة المتجددة. وتُقدّر منظمة “ريسكوب- Rescoop.eu” الأوروبية غير الحكومية ومقرها بروكسل، وهي داعم قوي لطاقة المواطن؛ وجود نحو 2250 تعاونية طاقة يُديرها نحو مليون ونصف مواطن عبر قارة أوروبا. تعاونيات الطاقة هي مشاريع شعبية غير ربحية يجري تنظيمها بشكل ديمقراطي. يمكن أن يُشارك الأعضاء في بعض العائدات ويمكنهم عادة شراء الطاقة التي أنتجوها بأقل من سعر السوق.
ينقل التشريع الأوروبي، وهو جزء من حزمة “الطاقة النظيفة لكافة الأوروبيين” ظاهرة “طاقة المواطنين” إلى مستوىً آخر؛ رغم انه في بعض دول القارة ما زال هناك الكثير مما ينبغي عمله إذا أُريد لتعاونيات الطاقة أن تزدهر. في ألمانيا كان التركيز على تعاونية الطاقة للمواطنين “انتصار الراين-Rhein-Sieg” بمدينة “سيجبورغ-Siegburg” غرب ألمانيا. هذه التعاونية (التي تضم 350 عضوا) لها 14 موقعا للطاقة الكهروضوئية بالمدينة وما حولها، إضافة إلى مؤسسة لمشاركة السيارات الكهربائية.
تطبيق متفاوت عبر اوروبا
رغم وجود نحو تسعمئة تعاونية طاقة مثلها في ألمانيا؛ تشير تشريعات الاتحاد الأوروبي ضمنيا أن التعريف القانوني الألماني لتعاونيات الطاقة ليس تمكينيا كما ينبغي. ترغب ادارة تعاونية “انتصار الراين” البدء “بتقاسُم الطاقة”؛ مما يعني إتاحة الحصول على طاقتها النظيفة مباشرة لأعضاء التعاونية أو المستهلكين المحليين بأسعار معقولة. وهذا الأمر كان مستحيلا حتى الآن؛ لأن التعاونية تتطلب منفذا فعالا من حيث التكلفة إلى الشبكة المحلية. يشرح “فيليكس شيفر” (مؤسس ومدير مشارك لتعاونية “Bürgerwerke” لتجارة الكهرباء، التي تقوم بتسويق الكهرباء المُوَلّدة من تعاونيات الطاقة المتجددة الألمانية) الموقف قائلا: “أي شخص يبيع الكهرباء عبر الشبكة في ألمانيا يعتبر تلقائيا تاجر كهرباء وعليه دفع الضرائب؛ مثل ضريبة الكهرباء ورسوم النقل لمشغلي الشبكة. وهذا يعني أن تعاونيات تقاسُم الطاقة يجب أن تُمرِّر التكاليف المرتفعة إلى العملاء.
على خلاف الحال مع ألمانيا؛ تُعتبر التعاونيات الديمقراطية لانتاج الطاقة النظيفة أمرا جديدا في كل من بلغاريا وكرواتيا واليونان وبولندا. مضت تلك الدول قُدما لإنتاج الطاقة النظيفة اعتمادا على تشريعاتٍ موجودة لتأسيس تعاونياتهم. واضطروا أحيانا لمقارعة السلطات في دولهم ليتمكنوا من احراز تقدمٍ ما. يأمل اولئك الرواد أن يكون انتقال دولهم إلى التشريعات الأوروبية مسألة تُغيّر من قواعد اللعبة؛ لتسمح لتعاونياتهم بالازدهار وتُشجّع آخرين أن يحذو حذوهم. لكن مُشغلوا شبكات الطاقة لا يتعاونون معهم، كما أن القانون (رغم انتقالهم للتشريعات الأوروبية) لا يكفي لتمكين تعاونيات الطاقة من العمل فعليا.
يرى اعضاء تعاونيات كرواتيا (على سبيل المثال) أن تشريع انتاج الطاقة للمواطنين في البلاد يتضمن قيودا غير مبررة؛ إذ تشترط السلطات أن لا يزيد انتاج المنشآت التعاونية عن خمسمئة كيلو واط، وأن تكون التعاونيات غير ربحية وأن توظف خبيرا؛ وهو أمر صعب بالنسبة للمشاريع الشعبية. في الواقع، يتعين على تعاونيات الطاقة المدنية بكرواتيا أن تلبي نفس المتطلبات المترتبة على مشاريع مزارع الرياح الكبيرة التي تبلغ قيمتها مئات ملايين اليوروات. ولكن هناك الكثير من التفاؤل؛ رغم العقبات والتراجُعات؛ فطبقا لإحدى الدراسات قال 61 بالمئة ممن أُخذت آراؤهم في أوروبا أنهم يرغبون بالانضمام لإحدى تعاونيات انتاج الطاقة المحلية. كما ان التأييد لتلك المبادرات لدى الدول التي بدأت التطبيق كان عاليا أيضا.. والآن حصلوا على دعم قوي من الاتحاد الأوروبي..
موقع {دويتشي فيللا- DW} الألماني