عبد الأمير المجر
تركيا (الأخوانية) وقعت تحت تأثير الحدث الكبير الذي سمي ب(الربيع العربي)، وراودتها احلام في تحقيق بعض المكاسب الجيوسياسية، لكنه وبعد أن أدركت المأزق، الذي أخذ هذا الحدث دول المنطقة اليها، انسحبت وراحت تعمل على ترميم سياجها الحدودي بلحاظ استحقاقات الحدث والانزياحات، التي تسبب بها وتحسب تركيا لذلك والعمل على القيام بنشاطات استباقية ربما لم تعجب العرب أو تخوفوا من مخرجاتها النهائية
علاقة تركيا بالعراق مركّبة، وتحكمها عوامل عدة، تاريخية وثقافية وسياسية، وكل عامل من هذه العوامل يجب قراءته بعين فاحصة، لكي لاتتسبب القراءة بما يجعل الحاضر واقعا تحت تأثير الماضي، لأن السياسة الناجحة لأية دولة هي أن تجعل المستقبل هدفها، وألا تستحضر من الماضي الا ما يجعل هذا الهدف ممكنا.. تركيا دولة كبرى في المنطقة، وهي وفق تصورنا من ابرز الدول في العالم التي لها خبرة في معرفة اللعبة السياسية الدولية وكيفية التعامل مع استحقاقاتها.. فالتاريخ يحدثنا عن امبراطورية عثمانية (تركية) كبيرة أفلت
بعد أن كان العراق جزءا منها، وتركت خلفها بعض المشكلات الحدودية وغيرها، وقد تجاوزها البلدان لاحقا وسارت الأمور بشكل جيد، ولعل تركيا هي البلد الوحيد بين جوار العراق لم تكن لنا معه مشكلات كبيرة ومنذ قيام الدولة العراقية الحديثة مطلع القرن الماضي، الأمر الذي جعل العراق يغفو على وسادة ناعمة منحتنا راحة سياسية وأمنية كنّا نريدها أن تكون مع بعض الدول المجاورة الأخرى التي نغصت علينا هذه الغفوة! وايضا من تركيا يبدأ شريان الحياة في العراق، ونقصد نهري دجلة والفرات، ولدينا في العراق ارتباط ثقافي من شقين، اسلامي وكذلك وقومي من خلال التركمان الذين يمثلون القومية الثالثة في العراق بعد العرب والكرد، فضلا عن أن تركيا تمثل بوابة العراق على أوروبا، ولعل قطار بغداد برلين الذي عصفت به مخرجات الحرب العالمية الأولى، كان سيربط العراق فعلا بأوروبا منذ قرن من الزمن واكثر.. تركيا مرّت بتحولات سياسية ومحطات كثيرة، بعضها كان حادا ثقافيا، لكن علاقتها بالعراق ظلت طبيعية ولم تتغير في جوهرها المبني على احترام سيادة العراق وأمنه الذي تراه مغذيا لأمنها القومي، ولذا حرصت أن يكون هناك تفاهم مستمر بينها وبين العراق بمختلف مراحله ايضا.. وتركيا لم تستثمر أيًّا من القوى، التي عارضت الانظمة السابقة لابتزاز العراق أو بقصد ايذائه كما حصل مع غيرها
من دول الجوار، وايضا عارضت غزو العراق واحتلاله في العام 2003 وكان موقفها الداعم لوحدة العراق اعطى العراقيين قوة في مواجهة مخطط التقسيم، الذي كاد يحصل بعد ان عملت عليه وبقوة بعض القوى الداخلية والخارجية.. ويضاف إلى كل هذا حجم التبادل التجاري بين البلدين وانبوب النفط العراقي المار بالأراضي التركية وصولا إلى موانئها، ما يعني أن علاقة العراق بتركيا يجب ان يضعها صانع القرار السياسي العراقي في مقدمة اهتماماته، وأن يتعامل مع الملف التركي بوصفه ملف علاقات
مصيرية.
تركيا (الأخوانية) وقعت تحت تأثير الحدث الكبير الذي سمي ب(الربيع العربي)، وراودتها احلام في تحقيق بعض المكاسب الجيوسياسية، لكنه وبعد أن أدركت المأزق، الذي أخذ هذا الحدث دول المنطقة اليها، انسحبت وراحت تعمل على ترميم سياجها الحدودي بلحاظ استحقاقات الحدث والانزياحات، التي تسبب بها وتحسب تركيا لذلك والعمل على القيام بنشاطات استباقية ربما لم تعجب العرب أو تخوفوا من مخرجاتها النهائية، ومنها مطاردتها لحزب العمال الكردستاني (البي كا كا) ،الذي دفعته امواج اللعبة الدولية إلى أرض العراق، وربما تم استثماره في لعبة صراع القوى المحلية العراقية.. نعم، لقد ترتب على ذلك تدخل تركيا في شمالي العراق تحت هذه الذريعة، وان كانت فعلا ذريعة فعلينا ان نرفعها لنجنب بلدنا مشكلات ومواجهة مع دولة لنا معها علاقات مصيرية تتصل بوحدة بلدنا واقتصاده وأمنه، وهو ما توصل اليه صانع القرار السياسي العراقي اخيرا وبعد جدل طويل، وأن عراق اليوم الذي بات آمنا اكثر من اي وقت مضى بعد الاحتلال صار جاذبا ومشجعا للكثير من بلدان العالم للاستثمار فيه وتركيا هي الدولة الاقرب لنا جغرافيا والأنفع لنا على مستويات كثيرة، كما اشرنا، لذا لا بد من استراتيجية جديدة للعلاقة مع تركيا تضمن لنا حقوقنا في المياه وغيرها وتعزز علاقتنا بها، لا سيما ان العراق بصدد مشروع
استراتيجي عملاق، يتمثل بطريق التنمية الذي سيجعل من بلادنا محورا لنشاط تجاري دولي، يحسدنا عليه الكثيرون، ويصبح أمن العراق مصلحة دولية واقليمية وتركيا ودول الخليج دخلت هذا المشروع الذي بات حقيقة، بعد أن كان مجرد حلم أو امنية، وعلينا أن نمسك بهذه اللحظة التاريخية التي هي ثمرة واقع دولي واقليمي مختلف عما كان عليه قبل عقد أو عقدين.. ولعل ما تم توقيعه من مذكرات تفاهم بين المؤسسات العراقية والتركية خلال زيارة الرئيس اردوغان الاخيرة لبغداد يفتح افقا جديدا لعلاقة مميزة مع بلد كبير يحتاجنا ونحتاجه، وأن هذا قدرنا وقدرهم ايضا وعلينا جميعا أن نعمل لنجعله قدرا جميلا
ومثمرا.