الريس: طريق التنمية أولى بوابات النهوض الاقتصادي المستدام

اقتصادية 2024/04/28
...

 بغداد: حسين ثغب 

يدرك العراق أن الخطوة الأولى لتأمين الحد الأدنى من متطلبات النمو والتقدم الاقتصادي والاجتماعي وتحسين الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية المرتبطة بحياة السكان هي إنشاء وتأهيل وتطوير شبكات البنية التحتية التي تربط بين شتى المناطق.

الخبير الاقتصادي عفيف الريس قال في حديث لـ "الصباح": أطلق العراق مبادرته التاريخية في 27 مايس 2023 تحت عنوان طريق التنمية وهو مشروع عراقي لربط بري وسككي بين أوروبا شمالاً والخليج العربي جنوباً لنقل البضائع بينها وعبر العراق ويبلغ طول السكة من ميناء الفاو الكبير إلى منفذ فيشخابور العراقي (الحدود العراقية التركية) 1175 كيلومتراً وطول الطريق البري 1190 كيلومتراً.

وأضاف الريس أنَّ المشروع الكبير لا يقتصر على إنشاء الطريقين البري والسككي اللذين سيختصران مدة نقل البضائع من 35 يوماً عن طريق البحر إلى 25 يوماً، ولكن سيتم إنشاء مدن قريبة من هذا الطريق ومدن سكنية جديدة قريبة من المدن الكبيرة وتستوعب هذه المدن أعداداً كبيرة من السكان وتوفر لهم المدن الصناعية فرص عمل.

وذكر أنه بحسب المخطط يتم تنفيذ هذا المشروع الستراتيجي من خلال خمس مراحل الأولى: توسيع الموانئ العراقية في أم قصر وخور الزبير لاستيعاب البضائع التي سيتم نقلها إلى أوروبا، والثانية: إنشاء سكة حديد بطول 1175 كيلومتراً وبسرعة سير 140 كم/ ساعة وإنشاء الطريق البري السريع بطول 1190 كيلومتراً.

أما الثالثة فبيّن الريس أنها تتضمن إنشاء 15 مدينه اقتصادية قريبة من مسار الطريق الذي سيمر في 13 محافظة عراقية إضافة إلى مدن سكنية جديدة قريبة من المدن الكبيرة تستوعب هذه المدن أعداداً كبيرة من السكان العاملين في هذه المدن الاقتصادية وستحتوي على مشاريع صناعية مختلفة وأخرى زراعية وسياحية وتعليمية واستثمارية وخدمية، من هذه المحطات الاقتصادية ستتم عملیات شحن المنتجات العراقية إلى دول شمال وجنوب العراق، وستكون هذه المدن الاقتصادية مجمعات متكاملة لإنتاج المنتجات الصناعية والزراعية وستحقق زيادات تدريجية في نسبة مساهمة هذه القطاعات في الناتج المحلي الإجمالي.

في حين تتضمن المرحلتان الرابعة والخامسة إنشاء أكبر مدينة اقتصادية في الشرق الأوسط شمالي مدينة الفاو تقام فيها مشاريع صناعية ضخمة لمنتجات ستراتيجية لأغراض التصدير، فضلاً عن مستودعات تخزن البضائع تستأجرها شركات أجنبية من دول الخليج العربي وجنوب شرق آسيا لتصدير منتجاتها عبر شبكات الطريق، وإنشاء ممر (Corridor) على طول مسار الطريق لنقل الخدمات والمنافع (Utilities) بما فيها الطاقة والنفط والغاز والكيبل الضوئي وغيرها لتلبية احتياجات المدن الاقتصادية المنشأة على طول الطريق وسيمتد هذا الممر إلى خارج الحدود العراقية.

 وأشار الريس إلى أنَّ هذا المشروع الستراتيجي يتضمن تفاصل لمقومات التنفيذ وحجم الكلف وآليات العمل بين الأطراف ذات العلاقة بالملكية والإدارة وهي حكومات لدول مشاركة في المشروع، وأنَّ المستثمرين من دول مختلفة والقطاعات الإنتاجية والخدمية العراقية، هذه المعوقات لم تعلن بعد ويتطلب وضع خارطة طريق ترسل دور ومهام كل نشاط وفعالية فضلاً عن تصور كامل لطبيعة المشروع وحجم مساهمة الدول المشاركة. 

 وقال: من خلال التفاصيل التي أعلن عنها يمكن رسم صورة مستقبلية لهذا المشروع وما سوف يحقق من منجزات اقتصادية واجتماعية للعراق خلال مراحل الإنجاز وهي ثلاث مراحل: المرحلة الأولى تنتهي عام 2028 والثانية تنتهي عام 2038 والثالثة الأخيرة تنتهي عام 2050. 

 ولفت إلى أنَّ القاعدة الإنتاجية لجميع القطاعات إذا عملت وفق المخططات الموضوعة لها ستحقق حتماً تنوعاً في مصادر الدخل القومي العراقي تسهم بنسب مؤثرة في الناتج المحلي الإجمالي وتغادر بذلك الاعتماد على النفط والغاز كمصدر وحيد للدخل العراقي، كما سيوفر المشروع وخلال مراحل التنفيذ فرص عمل تبلغ 100 ألف فرصة عمل في نهاية المرحلة الأولى و400 ألف في نهاية المرحلة الثانية وبحدود مليون فرصة عمل عند إكمال المرحلة الأخيرة.

وذكر الريس أنَّ كلفة المشروع 17 مليار دولار وهي كلفة القطارات الكهربائية السريعة وإنشاء السكك الحديدية والطرق السريعة إضافة إلى بناء المدن الاقتصادية، أما تمويل هذه الكلف فقد وضعت 3 خيارات الأول هو التحويل الحكومي للدول المشاركة في المشروع أو من خلال الشراكات بين الحكومة والقطاع الخاص أو من خلال الشركات العالمية مع شركات عراقية محلية.

 وأكد أنَّ المشروع يوفر خدمات سفر لنحو 10 ملايين مسافر سنوياً وسعة تخزين ونقل من ميناء الفاو لنحو 22 مليون طن سنوياً، حيث سيتحول العراق عند إكمال المشروع إلى محطة أساسية للتجارة العالمية ومحطة نقل مهمة بين دول الخليج العربي ودول جنوب شرق آسيا مع الدول الأوربية كونه سيخفض زمن المواصلات البحرية من 35 يوماً إلى 25. ونبه إلى أنَّ المشروع سيقوم بدور المحرك لأداء القطاعات الإنتاجية والخدمية ضمن المشروع وينتج فرصاً للاستثمار الأجنبي المباشر بما يعزز المصالح المشتركة وتقوية الشراكات السياسية والاقتصادية، كما لا يقتصر المشروع على توفير فرص العمل لقطاع العمالة المعطلة فحسب ولكن سيكون محركاً لتطوير المهارات الفنية والتكنولوجية لدى الشباب ودافعاً لولوج عالم الابتكار والإبداع بما يضمن لهم استمرار اكتساب المهارات وبالتالي التقدم والنجاح المستمر.

 وأوضح أنَّ التقديرات تشير إلى تحقيق المشروع أرباحاً سنوية بحدود 4 مليارات دولار، وفي ظل تقدم العمل بمشاريع المشروع خلال السنوات المقبلة من المتوقع أن يرتفع مستوى التقييم المالي والائتماني السنوي للعراق والذي تجريه وكالات التصنيف المستقلة والمعروفة عالمياً وهيFitch Ratings, Standard & poor’s, Moody’s والذي تعول عليه المؤسسات المالية العالمية في توجيه استثماراتها نحو الدول التي تحرز تقدماً في معدلات التصنيف الائتماني المعتمدة عالمياً، حيث تصنف وكالة Standard & Poor’s العراق عند (B-/B) مع نظرة مستقبلية مستقرة في تقريرها الصادر في 5/9/2023 ولا يمكن اعتبار هذا التصنيف عالمياً.

 أشار إلى جذب المشروع اهتمام دول عدة من بينها الصين صاحبة مشروع طريق الحرير الذي بادرت بإنشائه سنة 2014، حيث صرّح سفيرها في العراق بأنَّ طريق التنمية امتداد لمشروع طريق الحرير، كما أبدت الهند اهتمامها وهي صاحبة ممر الهند الاقتصادي إلى أوروبا عبر الخليج العربي، وقد أعلنت رغبتها بالاستفادة من طريق التنمية، في وقت أعلن ممثل البنك الدولي أنَّ طريق التنمية سيزيد من الترابط بين العراق ودول المنطقة وأنَّ المشروع سيقلل من انبعاثات التلوث البيئي بشكل كبير، وأكد أنَّ البنك ملتزم بدعم العراق في تحديث البنية التحتية وخلق فرص العمل.

 وعن التحديات قال الريس: هناك اختلاف في وجهات النظر باتجاه هذا المشروع، إذ توجّه جهات سياسية عراقية الاتهامات بأنَّ المشروع يخدم دولاً خارجية ويحرم الشعب العراقي من خيرات البلد، ورغم أنَّ هذه التوجهات تصدر عن شخصيات ليس لديها خبرات اقتصادية ومالية وفنية لتقييم الجدوى الاقتصادية للمشروع ولكن يبقى هذا الاختلاف مثيراً للجدل.