«جمهورية الخوف» في البتاويين

آراء 2024/04/29
...

حمزة مصطفى

بعد نحو عشرة أعوام على نشره كتابه «جمهورية الخوف» تحت اسم مستعار هو سمير الخليل، اعتذر الأكاديمي العراقي المعروف كنعان مكية، الذي كان أحد أقطاب المعارضة العراقية ضد النظام السابق عن نشره ذلك الكتاب. فبعد سنوات من احتلال العراق عام 2003 نشر مكية رواية بعنوان «الفتنة» أسماها «رواية التكفير عن الذنوب»، بعد أن كان ذاع صيت كتابه جمهورية الخوف، بوصفه التجسيد الأبرز للوضع العراقي قبل إسقاط النظام عن طريق الأميركان في نيسان/ ابريل عام 2003.
وبرغم كل ما كان أثاره مكية عن جمهورية الخوف الصدامية، قبل اعتذاره الصادم فيما بعد، فقد كانت هناك داخل تلك الجمهورية المخيفة جمهوريات خوف صغيرة، كانت تبدو خارج سلطة بغداد في بعض المناطق داخل أحياء العاصمة، ومنها حي البتاويين الذي يقع في قلب بغداد بين ساحتي التحرير والطيران ضمن منطقة الباب الشرقي. فهذه المنطقة المحصورة بين شارع السعدون وشارع النضال، حتى تمثال عبد المحسن السعدون وحديقة الأمة من جهة ساحة التحرير حتى ساحة الطيران، وكلها مناطق في قلب العاصمة وتحت ما يفترض أن الأجهزة الأمنية التي كانت تضبط إيقاع العاصمة بمزيد من الإجراءات الصارمة فإن البتاويين، التي تضم أقليات دينية وعرقية، فضلا عن مواطنين عرب من جنسيات مختلفة في الغالب سودانيون ومصريون آنذاك، كانت تخرج عن السيطرة حين يحل المساء.
وكنا آنذاك لا سيما في ثمانينيات القرن الماضي، حيث كانت لاتزال الحياة السينمائية والمسرحية قائمة على قدم وساق، فإننا حتى بعد أن نشاهد آخر دور في السينمات المنتشرة في شارع السعدون في منتصف الليل، كنا نشعر بالخوف حين نمر عند تخوم البتاويين في عز قوة النظام. كان نهار هذا الحي يبدو طبيعيا، حيث تنتشر المحال والمطابع والمطاعم ومحال الخياطة والإسكافيين، لكنه ما أن يحل المساء حتى يتحول كل شيء مرئي فيه إلى متخيل، وهو ما ألهم الروائي العراقي أحمد سعداوي في ما بعد أحداث روايته «فرانكشتاين في بغداد»والتي فازت بجائزة الرواية العربية. ومع أنه من الصعب إيجاد مبرر لخروج حي في قلب العاصمة وأمام مرأى ومسمع كل أنواع الأجهزة الصارمة، آنذاك عن السيطرة ليلا الإ جزء من نظرية المؤامرة، لكنه وبعد مرور 21 عاما على سقوط النظام السابق لايزال هذا الحي خارج السيطرة. وطبقا للحملة الحالية التي يشرف عليها وزير الداخلية عبد الأمير الشمري لإسقاط جمهورية الخوف الصغيرة في البتاويين، فإن البيانات الصادرة عن الوزارة تبين أن كل أنواع تجارة الممنوعات إنتشرت في دولة البتاويين بمن فيها الاتجار بالبشر، وهو ما لم يكن موجودا وقتذاك أو المخدرات على نطاق واسع. وفي الوقت الذي كان يقتصر حي البتاويين على مواطنين عرب من جنسيات سودانية ومصرية، فإن بيانات الداخلية اليوم تشير إلى مواطنين من نيجيريا وأستراليا، وربما تكشف لنا الحملة المستمرة حتى الآن عن جنسيات أخرى وربما.. مصائب أخرى.