«حبيبة أمها».. من يكتم أسرار الفتاة؟

ولد وبنت 2024/04/29
...

 كريم هاشم العبودي

الصداقة بين الفتيات علاقة من نوع آخر، وتختلف تماماً في ممارستها وسلوكها، وتحديدا في مرحلة المراهقة، لا سيما أن الكثير من شاباتنا العراقيات خلال هذه المرحلة هن بحاجة إلى إنسان قريب من أفكارهن، يتسلل إلى أعماقهن ويثقن به بشكل كبير، إلى حد طرح المشكلات للحوار والنقاش معه، والاقتناع بما يقدمه من حلول وآراء.. وقد قيل الكثير في الصداقة: «الصديق وقت الضيق، وصديقك من صَدقك» وجميعنا يعلم الكثير عن هذه الصداقة، ويعرف الكثير مما قيل وكتب عنها.
وهناك الكثير ممن يؤكد في أن الصداقة بين الفتيات أو حتى النساء أعمق وأقوى بكثير من صداقة الرجال مع بعضهم البعض، إلا أننا برغم كل ذلك نهمل صداقة أقرب الناس إلينا، اولائك من يجمعنا معهم اسم واحد، ونعيش معهم تحت سقف واحد، إنهم الآباء والأمهات، وحتى الأخوات وبنات العم والعمة.. والأسرة، وبعد ذلك تأتي زميلات الدراسة، فما مدى علاقتنا بهؤلاء؟ وكيف نبوح لهم بأسرارنا وهمومنا وحتى أفكارنا وأحلامنا المختلفة؟
تقول سرور الداوودي، وهي إعلامية عراقية إن «تأثير الصديقة أكبر من تأثير الأم واعتبرها مستودعا أمينا لأسراري، فالأم يقتصر دورها في التوجيه وتقديم النصيحة حتى لا تقع ابنتها في الخطأ، لكن الصديقة تكون قريبة مني في العمر، وتفهمني بدرجة أكبر، بل وتشعر بما أحس، لهذا ارتاح كثيراً للصديقة واستطيع أن أبوح لها بأسراري».
وتضيف الداوودي أن «هذه الأمور تدفع الفتاة للبوح لصديقتها، لأن هيبة الأم تمنعها من أن تخبرها بأشيائها الصغيرة وهمومها الخاصة - التي عادة ما تلجأ للحديث عنها لصديقتها- ورغم ذلك فهذا لا يمنع من أن يكون للأم تأثير كبير، ولكن في حدود التوجيه والنصح وما يتعلق بمستقبلها». أما الشابة منى العبادي، وهي شاعرة وكاتبة، فلها هي الاخرى رأيها، كما تقول: إذا ما واجهتني مشكلة ما، ففي البداية أخبر صديقتي المقربة مني، وهي في نفس عمري تقريباً، بينما أخاف من مفاتحة الوالدة بهكذا أمر، لأنشغالها بواجباتها الأسرية والاجتماعية، بل وانشغالها الكثير في متابعة أمور البيت، من طبخ إذ تصر هي بنفسها على تحضيره لنا، فهي انسانة محترمة ولا شأن لها في أمورنا الخاصة، كونها تنتمي إلى جيل الطيبين رغم كبر سنها.
وهنا تؤكد شهد السعدي، وهي موظفة بأنها «لا تعرف هل علاقتها بوالدتها القوية هي نوع من الصداقة، أم أن طبيعة العلاقة بين الأم والبنت تفرض نفسها؟
وتقول السعدي: كثيراً ما تحاول والدتي مناقشتي ومشاركتي بأفكارها، فهي متعلمة ومثقفة، لكني لا اتفق معها في كل شيء، فهي تفكر دائماً في مصلحتها، وتمنعني عن أي شيء حتى لو تسبب ذلك في جرح مشاعري، وكل ما يهمها مصلحتها، ولا ترى الأمر من ناحية «يعجبني أم لا».
وتوضح السعدي أن «تأثير الصديقة كبير، وقد يكون إيجابياً، أو سلبياً، وقد ينتج عنه التهاون في بعض المبادئ، وإذا كانت الفتاة ضعيفة الشخصية فربما تنقاد انقياداً كاملاً وراء صديقتها». وتفضل الطالبة الجامعية زينب عباس التحدث مع والدتها في مشكلاتها، وترى أنها أقدر على فهمها من صديقتها، بل وتشعر بارتياح كبير لذلك، لإدراكها أن الوالدة أحرص على مصلحتها، وأن «الصداقة قد تتوقف بزواج الصديقة أو انتقالها إلى مكان آخر، أما الصداقة مع الوالدة، أو حتى الأخت فهي شيء مستمر ودائم»، وفقا لتعبيرها. من جانبها تقول آمنة، وهي طالبة جامعية إن «هموم الحياة شغلت الكثير، فأسرتي مثل بقية الأسر أغلب الوقت مشغولة بمتابعة الفضائيات، وما تحمله من برامج ومسلسلات، ومن سيصدق أنني ذات مرة احتجت إلى والدتي لاستشارتها في موضوع يخص أمور حياتي، ولا يحتمل التأخير، لكنها تجاهلتني، فقد كانت مشغولة بمتابعة أحد المسلسلات الرمضانية، مما اضطرني للذهاب لإحدى صديقاتي للحديث عن الموضوع واستشارتها فيه».
فيما تقول هبه الشيخلي، وهي ممرضة: من الجميل أن تشكو الفتاة العراقية همومها ومشاكلها لوالدتها أولاً، ومن ثم شقيقتها، فهما الأجدر بسماع هذه الشكوى، أو تلك المعاناة، أو حتى الاستفسار بحكم القرابة والتجربة، موضحة: شخصياً تعودت عندما تواجهني مشكلة أو أحتاج إلى نصيحة، أن أعود إلى والدتي بحكم خبرتها، فضلا عن كونها تربوية، ولديها ثقافة لا بأس بها، والحمد لله دائماً ما تكون إجاباتها وحلولها لمشكلاتي في قمة الموضوعية والاقناع.
ويرى الباحث الاجتماعي سيد نور الموسوي أن تأثير الصديقة على صديقتها يكون في العادة أكثر من تأثير الأهل، لا سيما وأن نصائح الصديقة تكون قريبة من شخصية الفتاة، بينما تفكر الأم دائماً في اللوم والعتاب. ويقول الموسوي: لذلك من المفترض أن تكون الأم أكثر دراية ووعياً، وأن تحاول وبصورة جدية التقرب من ابنتها، وأن تحاول أيضاً كسب ثقتها حتى تكون روابط مشتركة بينهما، وبالتالي ستسعى البنت إلى البوح بمشكلاتها وهمومها لها بصورة سهلة من دون تعقيد.  ويشير الباحث الاجتماعي إلى أن أسرار الفتاة العراقية التي تربت على المبادى والاخلاق الحميدة والوفاء لبلدها ولعائلتها يدفعها للبوح بأسرارها «لست الحبايب» التي تفهمها، فهي الاكثر أماناً من بوحها للصديقات والزميلات، لأنها الوحيدة التي تكتم أسرار «حبيبة امها».