المحلل السياسي.. فوق خطين

آراء 2024/04/30
...

 سوسن الجزراوي


في مشهد مثير للجدل، امتلأ مؤخرا وأقصد في العقد الاخير، المشهد السياسي، بألقاب تقع فوق خطين وتجاور علامة التعجب! وقد يتساءل البعض واقصد البعض (الكثير) عن قدرات حاملي هذه الالقاب الرنانة: (محلل سياسي ).. (باحث في الشؤون السياسية) وغيرها، في محاولة لمعرفة الخلفية الثقافية والمعرفية لهؤلاء ومدى تأثيرهم في إيصال المعلومة السياسية والتحليل العلمي المرتكز على دعامات المعرفة الأكاديمية والثقافية، وما الذي يمكن أن تخلقه قراءاتهم من تفاعل في الرأي العام والساحة المجتمعية بشكل عام. فعملية التحليل السياسي بلا ادنى شك، هي مسؤولية اجتماعية أخلاقية وطنية هدفها الأول والأخير بناء صرح المجتمع والإسهام في دعم ركائزه، كذلك النهوض بالسمعة الدولية للبلد وعكس صورة حقيقية صادقة بعيدا عن كل دهاليز التسقيطات والمؤامرات المقصودة والتصيد في الماء العكر. ويسهم المحلل السياسي، في بناء منظومة المجتمع من الناحية السياسية، إضافة إلى استقصاء الحقائق دون زيف وإظهار الصور الناصعة للمنجزات الحياتية بكل تفاصيلها وإلقاء الضوء على مكامن الخلل والإخفاقات الموجودة أيضا، سواء ما كان علمياً منها أو قانونياً أو اقتصادياً وباقي خبايا المجتمع ودهاليزه.

ولكن، اسمحوا لنا هنا أن أتساءل أنا شخصياً: هل أن كل من حمل لقب (محلل سياسي) أو تزين اسمه أو اسمها بصفة (باحث)، هو أهلاً لهذا اللقب الكبير؟ بالتأكيد أنا لا أذهب إلى عملية التقليل من قدرات هؤلاء ولا شأنهم الإنساني والعلمي والاكاديمي ، إنما وبحسب المعطيات العالمية، فان عملية التحليل السياسي وصناعة الرأي تعتمدان على الفهم والإدراك العميق لجذور وأصول وأيديولوجيات السياسة ومعتقدات صناعها وتواريخهم ومنجزاتهم، وما خاضوه من صراعات ناجحة أو خاسرة أحيانا، وبالتالي فإن المحلل مطالب أن يكون غواصاً طويل النفس قادر على سبر أغوار الواقع السياسي، مدركاً للنظم الاقتصادية المهمة والملازمة للعملية  السياسية، نزيهاً مترفعاً، ذمته غير قابلة للبيع والشراء والمساومة، حتى ينجح بشكل ممتاز في زيادة الوعي في المجتمع.

ولان التحليل السياسي بواقعه الخاص، يهتم بإيضاح المعلومات وتقييمها، وبالتالي تقديم الحلول والعلاجات لما قد يؤثر سلباً في حصانة المجتمع وأمنه، صار من المهم جدا أن يكون ذهن المحلل السياسي مليئا بخزين هائل من المعرفة الدقيقة للواقع السياسي وحيثياته، بعيداً عن التكهنات الشخصية التي قد تنتج من تأثير اللغط والشائعات والسلوكيات الفردية لممتهني العمل السياسي

فما يقدمه المحلل السياسي هو بلا شك أشبه بالنتيجة الحسابية المفروغ من حيثياتها، مع الفارق بين الثابت في الأخيرة والمتحرك في عالم السياسة، إذ يعمل تحليل الواقع السياسي على دراسة تاريخ الحدث وأسبابه الكامنة والأهداف المرسومة له ونتائجها، وهذا كله يُلخص بقراءة لخارطة نسيجه وأساسات بنائه، ما يعكس بالتالي رؤى نقدية مؤثرة تلعب دوراً كبيراً في استمالة الرأي العام لما تم تقديمه، وهذا بالتأكيد سيكون المحرك الأخير لردود الأفعال والقناعات عند المتلقين.

واذا كانت السياسة هي فن الممكن كما تصفها التعريفات، فان التحليل السياسي هو فن التشخيص، البعيد عن الضبابية والحقائق (المزيفة) التي ينسجها العقل الشخصي للمفكر والمتحدث بهذا الشأن، وهي مسؤولية خطيرة يحملها الإنسان المتمكن من معلوماته السياسية الناتجة عن الدراسات الاكاديمية أولا، والدراية الواسعة بمفردات العمل السياسي الواقعي حتى تصبح كلمتي (محلل سياسي)، صفة يستحقها بجدارة.