جامعات أميركا.. انتفاضة صحوة

آراء 2024/04/30
...







 سالم مشكور


ما كان يخشاه صهاينة أميركا ومعهم إسرائيل وقع بالفعل، وإذا كان من الصعب توقع تطوراته المستقبلية، فان الثابت هو أنه يستحيل العودة إلى مرحلة ما قبل نهضة الوعي الأميركية – الأوروبية بشأن بما يجري في غزة. فجأة اكتشف الجمهور، وفي مقدمتهم طلاب الجامعات أنهم كانوا مستغفلين مضللين بشأن إسرائيل و»شرعيتها»، وما تستنزفه من أموال يدفعها الشعب ضرائب باهظة من مداخيله المالية. أحداث غزّة هي التي أشعلت شرارة الوعي، ودفعت بمئات آلاف الغربيين إلى الشوارع منددين بإسرائيل وداعمين للفلسطينيين. يعود الفضل في ذلك – دون أي شك- لمنصة تيك توك الصينية التي كسرت الحظر الأميركي – الغربي على نقل صور الإبادة الجماعية التي تقوم بها إسرائيل. هذا يفسر سبب الاندفاع التشريعي الأميركي لحظر هذه المنصة، مدفوعا من اللوبي الصهيوني الذي بات يؤثر بشكل كبير في كل مفاصل الحياة هناك لدرجة انه يهدد الدستور والقيم، التي ثبتها في ملاحقه العديدة، خصوصا الملحق الأول الذي يعطي القداسة لحربية التعبير. وما تشهده الجامعات الأميركية من قمع للاعتصامات بشكل واسع الّا ترجمة عملية لهذا التأثير، الذي يمس جوهر القيم الأميركية التي يفتخرون بها. يكرر الأميركيون دائما عبارة:It is free” country” مفتخرين بان هذا البلد هو للحريات كافة بدءاً من حرية التعبير، لدرجة أن هناك توسعا في تحديد مصاديق حرية التعبير، ليشمل كثيرا مما نعتبره في بلداننا انفلاتاً كحمل السلاح وغيره. لكن هذه الحريات مضبوطة بقوانين تحميها وتمنع سوء استغلالها. ما تشهده الجامعات الأميركية من احتجاجات واسعة تشير بوضوح إلى عملية انتفاضة وعي لدى هذا الجيل، الذي تلقى الكثير من النظريات حول حقوق الانسان والحريات لدرجة أنهم يبكون على منظر قطّة عرجاء أو كلب مريض، ليجد أن ما يتعرض له المدنيون الفلسطينيون من إبادة جماعية يحظى ليس بصمت أميركي – غربي، بل بدعمهما للكيان الذي يرتكب هذه الانتهاكات. احتجاجاتهم الواسعة استندوا فيها إلى حرية التعبير، التي كفلها الملحق الأول للدستور، لكنهم واجهوا صدمة ثانية وهي قمع حرية تعبيرهم بأساليب قاسية. يتداول العالم كله مشاهد قوات الشرطة الأميركية، وهي تضرب بقسوة وتعتقل ليس الطلبة المحتجين وحسب، وانما حتى الأساتذة، بل تعدى ذلك إلى ضرب واعتقال مصور قناة فوكس نيوز التابعة للمحافظين المتشددين.  الاحتجاجات الطلابية بدأت من جامعة كولومبيا في نيويورك، وتوسعت إلى غالبية الجامعات حتى الان، بعد خطاب استفزازي وجهه نتنياهو إلى الاميركيين، متهما هؤلاء الطلبة بمعاداة السامية ودعم حماس، بل وبدا وكأنه يوجه تعليماته إلى المسؤولين الاميركيين لقمع هذه الاحتجاجات. وما فاقم من حالة الغضب الطلابي ما رأوه من عنف بدؤوا يتعرضون له على يد القوات الأمنية بعد هذا كلام نتنياهو، بل انقلاب بعض سلطات الولايات على مبادئ الدستور وقوانين هم اصدروها سابقا لحماية حرية التعبير. فحاكم تكساس الذي أصدر سابقا قانونا يحمي حرية التعبير في الجامعات ويمنع أي مساس بها، هو نفسه الذي قال ان المحتجين في جامعة تكساس يستحقون السجن كلهم، وأمر قوات الشرطة بقمعهم بشدة، مما اعتبروه استجابة لرسالة نتنياهو. هنا ظهر عنصر جديد في دوافع الاحتجاجات وهو الشعور بمدى التأثير الإسرائيلي على السياسة الاميركية ومحاولات التحكّم بحرية التعبير في الداخل.. ما يقلق اللوبي الصهيوني في أميركا ومعه إسرائيل، أن هذه الاحتجاجات، وعدم السيطرة على تدفق المعلومات والمشاهد الفيديوية المروعة لما يجري في غزّة ترك أثره، ليس على شريحة الشباب الأميركي ككل، بل شمل أيضا حتى جيل الأبناء للعائلات اليهودية الأميركية بمن فيها أبناء أعضاء اللوبي انفسهم، ما ينذر بخطر كبير على مستقبل هذا اللوبي وقوة تأثيره. خصوصا وان هذه الاحتجاجات بدأت من جامعات كبيرة، يشكل فيها الطلبة اليهود نسبة كبيرة بين المحتجين، فضلا عن أن هذه الجامعات عادة ما تشكل مخرجاتها البشرية غالبية الفاعلين السياسيين في الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي، بما يعني أنهم سيكونون في مواقع السلطة لاحقا.  الاحتجاجات الطلابية الأميركية الحالية هي الأولى منذ العام 1968 التي عمت الجامعات الأميركية والأوروبية ضد حرب فيتنام والفصل العنصري في جنوب 

افريقيا.