براكين طينيَّة باردة في «أرض النار»

فلكلور 2024/04/30
...

 أذربيجان : يارا محمود

قد تبدو فكرة الغطس داخل بركان طيني مغامرة جنونيَّة، لكن المفارقة في أن هذه البراكين خالية من الحمم الساخنة، ولا تخرج منها أي صهارة، بل تحتوي على مركبات معدنية تساعد على تجديد الصحة البدنية بطريقة أو بأخرى. وفقاً للسكان المحليين يطلق على البراكين الطينية اسم «ينارداغ» بمعنى الجبل الناري و{بوزداغ» بمعنى الجبل الرمادي و{غايناتشا» بمعنى الماء المغلي فضلا عن اسمها الجغرافي «البراكين الطينية».

موطن البراكين الطينية

تحتل جمهورية أذربيجان المركز الأول من حيث عدد البراكين الطينية الموجودة في أراضيها، فهناك أكثر من ثلاثمئة بركان طيني بالقرب من بحر قزوين في منطقة كوبستان، تقع كوبستان في جنوب العاصمة الأذرية باكو وعلى بعد سبعين كيلومتراً عن مركز العاصمة، تتناثر فيها البراكين بشكل يعطيها طابعاً مريخياً فريداً، في العام 2007 تمَّ إدراج المشهد الثقافي للفنون الصخرية في كوبستان في قائمة التراث العالمي لليونسكو.

عبر جورنو وهو سائح من إيطاليا عن انبهاره في اللحظات الأولى عند رؤية البراكين وقال: «إنه جمع معلومات عن البراكين الطينية المنتشرة في هذه المنطقة التي تسمى كوبستان.. إذ تعدُّ منطقة جذب سياحي»، وأشار إلى «التدفق السياحي المتزايد للمنطقة من الدول المختلفة لكون المكان مثيراً للاهتمام».

من جانبه قال كراهام أستاذ علم الجغرافيا من بريطانيا: «هذه زيارتي الأولى لأذربيجان.. المكان ممتع وباكو مدينة مليئة بالمفاجآت المتعلقة بالبيئة، اخترت المكان لأنني أدرّسُ علمَ الجغرافيا وأرغب في التعرف على معلومات أكثر عن هذه البراكين لأطلعَ عليها الطلبة، كما توفر البراكين مثل آبار النفط معلومات للجيولوجيين عن بنية الطبقات العميقة من الأرض».

وُصفت البراكين الطينية في منطقة شبه جزيرة أبشيرون في أذربيجان في ملاحظات الرحالة قديماً، إذ إنَّها ظهرت في كتاباتهم في القرنين الحادي عشر والقرن الرابع عشر، بحسب عاديل علييف من معهد الجيولوجيا التابع لأكاديمية العلوم الوطنية الأذربيجانية.وأضاف «تعود استخدامات الطين البركاني قديماً إلى البلدان التي تتواجد فيها البراكين الطينيَّة، استُخدم الطين البركاني في إيطاليا منذ القرن السادس عشر، بينما استُخدم في روسيا وأذربيجان في بداية القرن التاسع عشر، والقرن العشرين».خصائص البراكين الطينية باذربيجان تختلف عن تلك الموجودة في بلدان أخرى نظرا لتنوع الأشكال، تتكون البراكين من الطين الصخري وتكون مليئة بالندوب والحفر، ويجف الطين ويتصدع وذلك بسبب الجو العاصف الملحي في كوبستان، وتختلف عن براكين الصهارة لأنها تكون باردةً.


فوائد صحيَّة

تنتشر بين الأوساط الشعبية قصص الشفاء من الأمراض المختلفة بعد الغطس في هذه البراكين، على خلاف البراكين العادية، واستخدم الأطباء في أذربيجان الطين البركاني لعلاج عددٍ من الأمراض، مثل الأمراض الجلدية والأمراض التي تتعلق بالعمود الفقري، والمفاصل، والمسالك البولية. يرى الأطباء أنَّ البراكين الطينية الغنية بالأملاح المعدنية، والمركبات العضوية، والعناصر النادرة توفر خصائص شفائيَّة لجسم الإنسان، فهي تحتوي على مكونات مفيدة طبياً، الى جانب خصائص الطين البركاني التجميليةً، للراغبين في الحفاظ على مظهرهم الشبابي، يتميز الطين بقدرات تجديدية، فهو يحفز البشرة على مقاومة علامات الشيخوخة، بالإضافة إلى التقليل من ظهور الندبات وتحسين البشرة.ويُقال إنَّ المسافرين في القوافل قديماً كانوا يعتبرون البراكين الطينية أحد العلاجات القديمة الأذربيجانية تماماً مثل النفط.وخلال العهد السوفيتي، كان الطين البركاني يستخدم أحياناً كجبيرة لعلاج العظام المكسورة.


إقبال سياحي

وعن حجم الإقبال السياحي على زيارة منطقة كوبستان أجاب المرشد يحيى آزر: «تستقبل كوبستان مئات الآلاف من الزائرين سنوياً، لا سيما في فصل الربيع والصيف لرؤية البراكين الطينية في أذربيجان بوصفها من الظواهر الطبيعية التي تبهر السياح، وتلقى هذه البراكين إقبالاً مِن السائحين الأجانب والمحليين على حد سواء».وأضاف «يأتي المغامرون إلى كوبستان لغمر أنفسهم بالطين، ليس بهدف العلاج، بل ينتظرون أنْ تقذفهم الغازات الخارجة مع الطين إلى أعلى كنوع من المجازفة يقوم بها هواة المغامرة. تجمع الرحلة الى كوبستان بين المتعة والخصائص العلاجية لذلك يطلق عليها البعض بالرحلة إلى باطن الأرض». ولف الى أنَّ «السياح الذين يأتون إلى باكو، وخصوصاً كبار السن منهم، يستخدمون هذا الطين لتتحول جولتهم الى جولة سياحية وصحية، ويمكن لزوار هذه البراكين أخذ حمام طيني قد يكون مفيداً جداً للبشرة، إذ إنَّ الطين البركاني مشبعٌ بالمواد المعدنية، وهناك عددٌ كبيرٌ من المواد العضويَّة والعناصر الكيميائيَّة فيه».