لا للاستحواذ على المصرف الزراعي

اقتصادية 2024/04/30
...

محمد شريف أبو ميسم



بات في حكم المؤكد أن لا سيادة لأيِّ دولة دون أن تحقق مقومات الأمن الغذائي النسبي على أقل تقدير، بعد أن باتت سياسة التجويع سلاحاً عالمياً في فرض الوصاية والهيمنة وكسر إرادات الشعوب والحكومات.

ولأنَّ دورة رأس المال في الإنتاج الزراعي بطيئة ومحفوفة المخاطر، فإنَّ الرساميل الباحثة عن الربح السريع لا تخوض في هكذا مشاريع، وغالباً ما تستقطبها التجارة والاستيراد لأنَّ دورة رأس المال سريعة وآمنة ومضمونة الربحية، ومن المعروف أنَّ رأس المال من بين أهمِّ عناصر الإنتاج الزراعي بجانب “الأرض والمياه والأيدي العاملة”. 

وعلى هذا تولّت الحكومات في أعتى النظم الرأسمالية دعم المدخلات، والعمليات، والمخرجات الزراعية، وأولت عناصر الإنتاج الأخرى أهمية بالغة من خلال مؤسسات مالية قد تمارس نشاطات ربحية واستثمارية لإدامة عملها ولكنها في النهاية مؤسسات مالية معنية بالأمن الغذائي ومدعومة من الدولة مثلما تدعم الجهات ذات العلاقة بالأمن الداخلي والخارجي، والتجارب العالمية عديدة ولا يسع هذا العمود الصحفي لسردها.

من هذا المنطلق فإنَّ بلادنا التي تقع في منطقة ملتهبة مرشحة دوماً لتداعيات الصراعات والتدخلات الدولية، فضلاً عمّا تتعرض له من معطيات جراء المواقف السياسية، فما بالك وشركات العولمة التي تتحكم اليوم بصناعة البذور والمبيدات والتي تروّج لفكرة أنَّ “الأمن الغذائي أمن عالمي” تستخدم أساليب الحصار والعقوبات الاقتصادية كما في دول عدّة جرّاء مواقفها من هيمنة تلك الشركات ومن يقف خلفها. 

أليس من الأولى أن نكون بمنأى عن هذه السياسات التجويعية ونحمي مستقبل أمننا الغذائي وندعم قطاعنا الزراعي؟ وإذا كان الجواب نعم، فمن الأولى أن نعيد النظر بقرار الاستحواذ على المصرف الزراعي من قبل مصرف حكومي يراد له أن يكون شركة مساهمة تمهيداً للخصخصة، والأولى أن يتمَّ دمج المصرف الزراعي مع صندوق إقراض الفلاحين في وزارة الزراعة، مثلما سيتم دمج المصرف العقاري بصندوق الإسكان كما ورد في قرار مجلس الوزراء دعماً لقطاع الإسكان. 

والفكرة هنا أن يتمَّ نقل موجودات المصرف الزراعي ورأسماله إلى صندوق إقراض الفلاحين ما دمنا ماضين باتجاه ليبرالية السوق، وأن لا وجود للمصارف المتخصصة في شكل الدولة الجديد، لأنَّ الصندوق الذي تم تأسيسه بموجب القانون رقم 28 لسنة 2009 وبقي معطلاً لسنوات، لا يتجاوز رأسماله أكثر من 250 مليار دينار وهذا المبلغ، إذا أردنا أن نحقق الأمن الغذائي النسبي على أقل تقدير، لا يكفي لبضعة مشاريع في محافظة زراعية واحدة، فضلاً عن كون الصندوق لا يملك أبنية وفروعاً في المحافظات وهو بأمس الحاجة للبنايات التابعة للمصرف الزراعي الذي ما زال يعمل وفق القانون رقم 110 لسنة 1974، وما هو قائم بقانون لا يتم الاستحواذ عليه إلا بقانون.