أعياد وعيديّات

الصفحة الاخيرة 2019/06/02
...

حسن العاني 
 مفردة (العيد) كما تطلعنا اللغة العربية, وجمعها (أعياد), لها العديد من المعاني, ويراد بها في ما يتعلق بهذه المقالة, كل يوم جمعٌ أو تذكار لذي فضل أو حادثة مهمة, وقيل انه سُمّي عيداً لأنه يعود كل سنة بفرح مجدد, وعلى ما في هذا المعنى من جمال, غير ان ولداً مثلي تسعفه الذاكرة وتعود به الى عام (1950) لا يسأل عن اللغة ومعانيها واشتقاقات العيد من الفعل عاد, ففي ذلك العام الأسعد, بل هو خاتمة الاعوام السعيدة التي تزامنت مع حصولي على شهادة (شفوية) من (الملا فضيلة) تقرُّ فيها وتعترف بأنّني (ختمت) القرآن الكريم وأصبحت قادراً على قراءته بطلاقة, وأنا ابن خمس سنوات... نعم كان ذلك العام طافحاً بالسعادة.. طافحاً بالحزن لأنّه آخر أعوام الفرح والمسرّة...
أصل الحكاية أنّ رجلاً يُدعى (محمد العزاوي) أصبحنا فجأة نرتبط معه بصلة نسب بعد أن تزوّج ابن عمتي ابنة شقيقته, وكان هذا الرجل زيادة على كونه موظفاً بدرجة مدير, قد ورث عن أسرته ما جعله محسوباً على شريحة الوجهاء والموسرين, وكنت زيادة على كوني يتيم الأم, أنتمي إلى أسرة تعيش بالقدرة, يسمونها في لغة هذا العصر (متعففة).. وتسعفني الذاكرة, إنّه منذ بلوغي سن الرابعة من العمر, كان ابن عمتي وزوجه وشقيقاته يذهبون يوم العيد الى بيت (عمو محمد) لمعايدته, لأنّه (خال زوجة إبن عمتي) ولأنه كبير السن, وكنت أرافقهم في تلك الزيارة الذهبيّة بدعوة كريمة من ابن عمتي, وأعظم مالا ينسى من تلك الزيارة الأولى أنّ الرجل أعطاني خمسة دراهم (ربع دينار), بمناسبة العيد, وبصعوبة بالغة استوعبت حصولي على مثل ذلك المبلغ الذي لم يطأ جيبي مثله, وقد قمت بسبب نزاهتي وخلو سجلّي الشخصي من أيه شبهة فساد بإعطاء المبلغ كاملاً الى أسرتي!!
كانت تلك "العيدية" الأرستقراطية بمناسبة عيد الفطر المبارك الذي يمتد الى (3) ايام, وكان أمراً محزناً أن تمارس أسرتي الفساد المالي معي, فقد كانوا يعطونني في كل يوم (درهماً), وبذلك حصلت على (3) دراهم من أصل الخمسة التي هي عيديتي و(غلّسوا) على درهمين حتى بدون غطاء قانوني... ومعروف بأن الكثير من رجالات الطبقة السياسية في الوقت الحاضر (غلسوا) على المليارات ولكن بأغطية قانونية!! على مدى الأعياد الأخرى كان الرجل يدفع لي الدراهم الخمسة, الا انه بادر ورفع عيديتي إلى نصف دينار (عشرة دراهم) وكنت أستغرب لأن أسرتي تدعو للرجل بالعافية وطول العمر ولا تذكرني بكلمة دعاء واحدة!! ثم حل عام جديد وأصبحنا على مشارف عيد الفطر وكنت أفكر بطريقة أخفي فيها عيديتي على الأسرة, لولا أن خبراً مفجعاً حدث قبل العيد بيومين, إذ توفي (عمو محمد), وقد حزنت عليه حزناً لا يناسب طفولتي, بكاء بلا انقطاع ودموع سخية, والكل مندهش من حالتي, ولكن احداً منهم لم يفكر بأنني خسرت الممول الوحيد في حياتي.