الحقيقة في تغييب {أبو سرحان}

ثقافة شعبية 2024/05/02
...



 ثقافة شعبية

غيب الشاعر ذياب كزار {ابو سرحان}خلال الحرب الأهلية اللبنانية 1982 مع رفيق له هو الفنان المسرحي كاظم الخالدي. منذ ذلك الوقت سمعنا واطلعنا على الكثير من أخبار تغييبهما، إلا أن الحقيقة التي تبرهن وقائع التغييب ظلت مشوشة.
الكاتب والفنان المسرحي العراقي غانم بابان وقبل رحيله  دوَّن يومياته بصدق وحرقة، وصدرت هذه اليوميات ككتاب،عن دار ومكتبة أوراق في العام 2021 بعد رحيله المفجع، وهذه اليوميات سجلت حقيقة واقعة التغييب، كون بابان كان الشخص الثالث الذي نجا بأعجوبة من تلك المأساة بخلاف ما تناقلته العديد من الروايات ولذا ارتأينا نشرها اليوم لاطلاع متابعي هذا الشاعر الذي ظل حاضرا في وجدان الناس لما في تجربته من تفرد جمالي.

فلنطلع على نص مادونه بابان في الصفحة 384 - 385 من الكتاب.

" بعد تنقلات تقريبا ست سبع مرات وصعودنا بنفس السيارة التي فيها السائق، والذي إلى جانبه والى الخلف مقعدان متقابلان كل واحد لثلاثة أشخاص.. أصبح معنا شخصان جديدان أحدهما جواز سفره تركي، ولكنه يحكي لبناني والثاني لبناني وجدوا معه منشورات لحركة امل..... انطلقت بنا السيارة ومعنا هذا الذي بجانب السائق ومعه بندقية فقط... وصلنا إلى بيت يشبه بيوت الكرادة القديمة، بيت بدرجات وتحيط به حديقة كبيرة..وهناك غرفة خارج هذا  البيت كأنه مكان لمولدة كهربائية..أشار هذا الصبي نحو هذه الغرفة وسأل: عارفين شو هيدي الغرفة..؟ هون يابتعيشوا يابتموتو..هيدي غرفة الاسيد (الحامض)..نزلونا وكنت أريد أن أجعل صعود كل درجة بعشرين سنة.. وجدنا أنفسنا في هول وسط ممرات عديدة، وطابق ثانٍي وتذكرت أوصاف قصر النهاية كما وصفه الأصدقاء الذين زاروه....

وشك عالحيط...يللا وشك عالحيط..جاء أحدهم من خلفنا وسأل مين فيكن اليمنية ؟

كنا نقف من يميني الأول صباح ثم كاظم..انا..ابو سرحان..اجابوه بـ (انا)..فضربهم بكفه على رقابهم..ثم وضع أصبعه بخاصرتي وسأل انن العرائي؟

وأصبح خروج الكلمات من حنجرتي صعبا جدا..قلت نعم..بالكاد..

وتمنيت امي في تلك اللحظة أو حتى ام نهلة..لكن امي لم تأت بل جاء أحد آخر أتى وقال لهذا الذي ضربهم.. وين العرائي ابو سيمون  بدوياه.. قال الأول لا ابو حبيب بدو ياه...اخيرا فاز بي أبو حبيب تركت جماعتي وجوههم للحائط.. وصعدنا طابقا فادخلوني لغرفة باردة جدا ومؤثثة بشكل جميل وكان تاريخ ذلك 

اليوم 13 -  8 -  1983.

[29ابو حبيب ]

كان تاريخ ذلك اليوم المشؤوم هو  18 - 8 -  1983   وأظن انه كان يوم سبت.. وعندما أدخلني ذلك الحارس الملتحي الضخم لغرفة مبردة ومؤثثة باناقة زاغت عيني على جواز سفري الموضوع على طاولة، يجلس خلفها رجل اصلع سموه ودعوه (ابو حبيب)، وبعد سنوات كثيرة عرفت من مشاهدتي لفيلم (ليالي بلا نوم) للمخرجة اللبنانية (ليانة الراهب) والتي قابلت ابو حبيب هذا، وتبين لي أن اسمه الحقيقي (اسعد شفتري)، وهذا المجرم مسؤول شخصيا عن مقتل 5000 انسان من ضمنهم أبو سرحان وكاظم وصباح".

وهناك المزيد من التفاصيل التي تتعلق بما حصل لكننا نكتفي بهذا الجزء من شهادة حية وليست متخيلة أو متناقلة، عبر رواة لا يمكن الرهان عليها مقارنة بمن عاش الواقعة لحظة بلحظة.

الخلود لشاعرنا المغيب (ابو سرحان) والعار للقتلة.