{الزمن الأخرس لا يسأل}

ثقافة شعبية 2024/05/02
...

كاظم غيلان 



ينتمي الشاعر لقضيته التي يختارها مبكراً بحميمية، حتى تكاد تكون موضوعته الدائمة والتي من الصعب أن يتخلى عنها أو يخونها.

القضية حبيبة، لها ماليس لسواها، ولطقوس الحب معها اشتراطات كثر، لكنها لن تنفصل عن الجمال الذي يلازمها كما الظل.

الإنسان وحلمه كان قضية (ابو سرحان)، التي انتمى لها مبكراً وأمضى أحلى أيام شبابه معها، أقام من أجلها في أشهر سجون العراق (نقرة السلمان) المنفى الصحراوي الرهيب كأصغر سجين فيه.

هناك قدحت موهبته الشعرية، فكتب أولى محاولاته وكانت قصيدة باللغة الفصحى جاء في مقدمة أبياتها:

"اقتِل.. اقتِل

كي لا تُقتَل

فالزمن الأخرس لايسأل

عن معنى أن يقتل زنجي

في حانة خمر..أو معمل"

هذا ماذكره لي بأول لقاء ذكرته بأول نشرة حائطية مدرسية كنت أصدرتها. ولربما كانت أيضا بداية عشقي للصحافة، كان ذلك في خريف العام 1973.

برغم انشغاله بالعمل السياسي والصحفي، اذ كان يعمل في صحيفة "طريق الشعب" لكن نادرا ما تجده متحدثا في موضوعات سياسية، تجده مهموما بعلاقاته العاطفية الخالية من السياسة، لكن الإنسان وقضاياه لن تفارقاه.

في الشعر ومشكلاته يحاورك بروح إيجابية عالية وكأن حبيبة في داخله تسيطر على حساسيته وتمنعها من التوتر،والانفعال، فالثقافة في مفهوم ابو سرحان واحدة من اشتغالات الحب المعرفية المنتجة للقصيدة، الأغنية، الموسيقى.وكل شيء له علاقة بالحرية التي يسعى له بحكم انتمائه المبكر لفكر إنساني النزعة كان أعلى واضعي فلسفته قد رفع شعاره الازلي: " الإنسان أثمن رأسمال".

ومع كل ما كان يكتب عن الحبيبة والحلم وشواطئ تحمل ضفافها تلك الايقاعات المؤججة لموهبته يصل صوت خافت خجول يومئ بذلك الأسى الممزوج بالسؤال:

" وين يالمحبوب

وين كلبي يلوب"

يكاد يكون ابو سرحان أبرز من احدثوا تغييرا جماليا في الغناء العراقي يعيش ليومنا، التغيير الذي أتم مهمته بموهبة عالية اسمها " كوكب حمزة" :

ابهيده اعله بختك لاتعت بيها

روحي انحلت والشوك ماذيها

انه الإنسان الذي بقي مرافقا لروحه المهمومة بأوجاعه واشراقاته وأعراسه وفواجعة التي جسدتها الحرب الأهلية بلبنان عند ثمانينيات القرن الماضي. القرن الذي يتحمل اختطاف حالم كبير، عاشق كبير، شاعر كبير ولكنه القرن- الزمن الذي لايسأل عن معنى قتل إنسان كأبي سرحان.