النفط والمنتجات البيضاء

اقتصادية 2024/05/02
...

وليد خالد الزيدي



إذا ما أردنا التحوّل من بلد مصدّر لمنتجاته إلى بلد مصنّع لها بدلاً من بيعها كمنتجات أساسيَّة للأسواق العالميَّة لابد من التسليم بأنَّ النفط الخام ما هو إلا مادة أوليَّة تدخل في نشاطات أخرى كالصناعات التحويليَّة المدرّة لمنافع اقتصادية جمَّة وقيام المشاريع الخاصة بالصناعات الثقيلة ومشاريع أخرى وأعمال توليد الطاقة وتأهيل قطاع الخدمات والنقل وتحريك التجارة بنوعيها الداخلي والخارجي فضلاً عن تشغيل الأيدي العاملة في المصانع والمعامل والورش الإنتاجية وبالتالي تدعيم ركائز اقتصاديات تلك الدول ولهذا فإنَّ عملية التحوّل من بلد مصدر للمواد الأولية إلى بلد يصنعها لإنتاج مواد وسلع أخرى أكثر فائدة وأوسع استخداماً وهي قفزة تنموية كبيرة وواعدة على مستوى الاقتصاد الشامل لكن لابد من تعزيزها بإرادة وثقافة للتحوّل من مرحلة الأنشطة البدائية إلى فعاليات صناعية متقدمة فضلاً عن تنظيم واسع النطاق بغرض التصنيع. والتهيؤ لتنمية بشرية واعية لدخول نظام المجتمع الصناعي العالمي.

نحن لسنا أقلّ استعداداً من دول التحوّل الصناعي والمعروف بالثورة الصناعية التي حدثت منتصف القرن الثامن عشر إلى أوائل القرن التاسع عشر في مناطق أوروبا كبريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وسويسرا وبلجيكا وكذلك أميركا الشمالية التي امتلكت خصائص هذا التحوّل المبكر ورافقه تقدم تكنولوجي واستثمارات مالية وتطورات مبكرة في الوعي الطبقي والنظريات المتعلقة بهذا الأمر، حيث بدأ الحديث الآن عن ستراتيجية حكومية عراقية لتعظيم الإنتاج الوطني وتعزيز دوره في الأسواق النفطية العالمية والحرص على تنويع الإنتاج الوطني من الطاقة التكريرية والتهيؤ للاعتماد على الاستثمار الأمثل للثروة النفطية والغازية وعدم الاعتماد فقط على تصدير النفط بل تعدد المصادر التي تنمِّي الدخل الوطني العراقي.

تطوير آليات التعامل مع الثروة التي تمثل المصدر الرئيس للاقتصاد الوطني في تعظيم إنتاج المشتقات النفطية والصناعة التكريرية في العراق وتحويل النفط الخام إلى منتجات بيضاء لهو أمر أساس لتحقيق الاكتفاء الذاتي وإيقاف الاستيراد والتحوّل تدريجياً لتصدير هذه المنتجات إلى الأسواق العالمية بدلاً من تسويق النفط الخام من دون تصنيع مشتقاته ومن خلال التحوّل إلى التسويق وتجارة المنتجات البيضاء بما يرفع موقع العراق في الأسواق النفطية والتجارية ويضعه في موقع متقدم.

بالمقاييس الزمنية نرى أنَّ بلدنا من البلدان المتأخرة عن اللحاق بركب الدول الصناعية التي عملت على استثمار مواردها الطبيعية وتحويلها إلى المواد الأولية لقيام الصناعة بدلاً من تصديرها لا بل تعدّت ذلك إلى استيراد مواد أولية إضافة لما متوفر لديها لتطوير عمل القطاع الصناعي وزيادة تأثيراته الإيجابية في مجمل فعالياتها وارتفاع معدلات الدخل السنوي لأفراد مجتمعاتها، سواء للعاملين في الصناعة أو بقية المواطنين فكانت منتجاتها تشكل علامات فارقة في الأسواق العالمية بالإضافة إلى جودة الخدمات التي تقدمها بجميع أنواعها وهذا الأمر من الطبيعي جداً أن يحرِّك أفكار القائمين على الاقتصاد الوطني لاسيما حينما ينظرون إلى قطاع النفط فيجدون فيه مساحة واسعة لقيام تنمية وطنية شاملة يمكن من خلالها توسيع قاعدة الفوائد المرجوّة من تلك الثروة لما توفره من حوافز إضافية للاستثمار والنموّ الاقتصادي.