العيد في بلد الخير

اسرة ومجتمع 2019/06/02
...

عواطف مدلول
ما إن بدأنا نقترب من نهاية شهر رمضان الكريم مودعين أيامه ولياليه المباركة بخير وسلام، حتى أخذت العائلة العراقية تستعد لايام عيد الفطر السعيد من خلال التهيؤ لشراء احتياجاته ومستلزماته، وتنظيف وترتيب المنزل كعادة ضرورية لا تتخلى عنها المرأة العراقية، وطقس مهم جدا يضفي على البيت نوعا من التغيير والتميز خلال عطلة العيد، كما تسعى الاسرة للتخطيط لوضع جدول وبرنامج خاص لقضاء تلك الفترة بزيارة الائمة الاطهار ومقابر الموتى الاعزاء من الاهل، وتبادل التهاني والاحتفال مع الجيران والاقارب والاصدقاء، والمشاركة بالخروج الى المتنزهات على الرغم من ارتفاع حرارة الاجواء، او ربما التمتع والاسترخاء بجلسة عشاء عائلية باحد  المطاعم العراقية كفرصة للابتعاد عن الروتين اليومي بتلك المناسبة. 
وغالبا ما تفتح الأسواق أبوابها واسعة وبطريقة مختلفة في الاسبوع الذي يسبق العيد، لتطرح محالها ومولاتها بضاعة جديدة لاسيما بعد ان زاد عددها في الآونة الاخيرة، وصارت ظاهرة تجذب الناظر اليها مما يدفعه لتجربة ما تقدمه من عروض، وكم يكون من الصعب المرور في تلك الاماكن خلال هذه الفترة بالذات لانها تضج بالحركة، ولكني يعجبني ان أقصدها ليس لغرض التبضع فقط، انما لمشاهدة الفرحة في عيون الناس وما تحمل من بهجة وعلامات رضا وسرور تترقب قدوم العيد بلهفة، وتحد كبير يعكس الصورة الحقيقة للانسان العراقي المحب للحياة بشغف لاحدود له، والكريم الذي لايبخل على نفسه والاخرين من اجل تحقيق السعادة التي يتمناها، ويدهشني كثيرا رؤية مشهد ازدحام بغداد بالمتبضعين، إذ أنّ الاقبال الشديد يشعرني بالرفاهية التي يعيشها العراقيون حتى الفقراء منهم.
هذه هي طبيعة الفرد العراقي إذ انه يمنح الاشياء حقها بادراك ويستمتع بها بوعي تام، وقد تشكلت شخصيته على ذلك الاساس اذ اصبحت لديه القابلية على التأقلم مع كل الظروف، وان الازمات التي مرت عليه وعلى مدى سنوات لم تفلح في تبديل طباعه التي تجذرت فيه منذ زمن بعيد، ولذا اشجع نفسي دوما على التجول في الاسواق بالمناسبات لأشحن نفسي بتلك الطاقة المشعة التي يبثها هؤلاء الناس، حتى انني لا ألمس اي فرق بين غني وفقير لأنّ السوق مزدهرة ومنتعشة بكافة الموديلات التي تناسب جميع المستويات من ناحية السعر والذوق.
وفي الوقت الذي تشكو فيه الكثير من البلدان غلاء الاسعار وصعوبة المعيشة بالايام الاعتيادية ومناسباتها تمر حزينة بليدة، ومرة لاطعم لها،  نحن من يصنع الفرح ويملأ صوانيه بالشموع والزينة والحلوى ثم نوزعه على بعضنا لنتذوقها معا، واذكر في احدى سفراتي الى لبنان كنت قد ذهبت الى محل فخم يحتوي على اعمال تحفية فاخرة لشراء بعض الهدايا منه، اخبرتني صاحبته وهي امراة كبيرة بالسن قائلة نحن نعتمد في بيعنا على العراقيين، فالحروب والويلات التي ضربت بلدهم لم تستطع ان تكسرهم، لذلك يطلق اللبنانيون على العراق تسمية بلد الخير لانه كان ومازال وسيبقى معطاءً بوفرة ماديا ومعنويا، وابناؤه اصحاب نكتة ومزاح وخفة دم والابتسامة لاتفارق وجوههم، ومن السهل التعامل معهم، واضافت نحن نتفاءل ونستبشر عندما يحضر العراقيون للتبضع منا، وتلك هي النظرة العامة السائدة تجاههم في كل دول العالم.