منى زعرور
يشهد العالم منذ أسابيع موجة من الاحتجاجات الطلابية، خاصة في الجامعات الأمريكية والعربية، تنديدًا بالحرب على غزة ودعماً للقضية الفلسطينية.
فقد بدأت الاحتجاجات في أميركا، في جامعة كولومبيا، مع نصب «خيم التضامن مع غزة» في 17 أبريل (نيسان)، وسرعان ما توسعت لتشمل 40 جامعة أميركية.
طالب فيها المحتجون بإنهاء الدعم الأميركي لإسرائيل، وسحب الاستثمارات من الشركات التي تدعم الاحتلال.
وقد وجِهت هذه الاحتجاجات من قبل الجماعات المؤيدة لإسرائيل، ما عرض العديد من الطلاب إلى موجة العنف والاعتقالات، بعد أن قامت بعض إدارات الجامعات باتخاذ إجراءات ضد الطلاب المشاركين في الاحتجاجات، بما في ذلك التحذيرات والفصل.
قوة الحراك الطلابي الأميركي، دفعت لقيام بعض التحركات الطلابية الخجولة على صعيد أوروبا.
غير أنها أججت لحراك طلابيّ كبير في بعض الدول العربية، من لبنان إلى الكويت فتونس والأردن ومصر.
كما، لم تحرك ساكناً في دول عربية أخرى، اختارت من بداية الحرب، الوقوف موقف المشاهد السلبي إزاء كل ما يدور من مأساة وإبادة.
وعلى رغم أهمية هذه الاحتجاجات، التي أظهرت تضامن جيل الشباب مع القضية الفلسطينية، ودور الضغط على الحكومات والمؤسسات، في انتزاع (أقله) حق التصويت على قرار الاستمرار في الدعم الذي تقدمه بعض الجامعات لإسرائيل.
والأكثر أهمية، قدرة منصات التواصل الاجتماعي على إحداث التضامن العالميّ وفرض العالميّة.
كما دورها في تغيير معادلات أحادية وجهات النظر، التي كان الإعلام التقليدي الغربي يعمل عليها ليلاً نهاراً، لتسويق الرواية الصهيونية.
إلا أنها على صعيد ثانِ، بيّنت هشاشة الحريات الأكاديمية في الغرب، وغيابها في عدد كبير من الدول العربية، وذلك من خلال القمع المباشر أو غير المباشر عبر الدخول في دائرة الصمت.
فعبر التغطيات الإعلامية، شاهدنا القمع المباشر لأعضاء هيئة التدريس، عبر الاعتقالات التي طالت أساتذة ورؤساء أقسام في الجامعات الأميركية، لوقفتهم التضامنية مع طلابهم ومع القضية الإنسانية (إبادة شعب).
كما كان التحقيق الذي أجري مع رئيسة جامعة كولومبيا المصرية الأصل نعمت شفيق، بعد إحالتها للتحقيق بذريعة مخالفتها للحريات الأكاديمية، مخيباً للآمال، وعاكساً لواقع المهزلة، اذ حاولت هيئة الاستجواب، انتزاع إقرار صوتي لها بالولاء والطاعة لضمان مصالح اليهود «الصهاينة» وتفادي نزول «غضب الرب»، الذي جاء حرفياً على لسان من حاورها، أكثر منه محاسبة لما أقدمت عليه من خرق للحريات الأكاديمية.
وبالعودة للجامعات العربية، كان ملفتاً التزام الأكاديميين في عدد من الدول العربية بعدم التعبير عن الرأي حول ما يحصل في غزة، حتى على وسائل التواصل الاجتماعي.
وهذا ما يعكس بدوره التزامهم بسياسة جامعاتهم وبلدانهم، وما يؤكد غياب أدنى معايير الديمقراطية والحريات الأكاديمية.
ولهذا أسباب تاريخية، وسياسية، واجتماعية عدة.
تبدأ من السلطوية الأبوية وتنتهي بالإستبداد السياسي والاجتماعي.
في غياب الاستقلال الإداري والمالي للعديد من الجامعات، وملكيتها الكاملة من قبل الدولة بشكل أعم.
هذا الحال، وإن دل على شيء فإنه يدل، على التقييد الفكري للأكاديميين، وبالتالي يفضح الخطوط الحمراء التي لا يجب تجاوزها، بالتعبير وحرية الفكر والتدريس والبحث.
ويضعف الدور الأكاديمي، الذي ينطلق من خدمة البحث العلمي والمجتمع، والذي يتمثل أساساً في دراسة القضايا والمشكلات الاجتماعية، والتنبؤ بحلها.
كما يؤثر في علاقة الأساتذة بطلابهم، بتكريس القمع المتوارث من القمع الإداري الخاضع للتدخلات الحكومية وغير الحكومية.
والسلطات التي تعرف تمام المعرفة، أن السيطرة على العقول والأدمغة الجامعية وسيلة مهمة، لضمان الاستقرار السياسي ومنه ضمان وجودها.