مهن آيلة للانقراض

ثقافة شعبية 2019/06/02
...

علي ناصر الكناني 
في سوق الشواكة في جانب الكرخ المعروف بقدمه وعراقته بين أسواق كرخ بغداد الشعبية، اذ انتشرت على جنباته العديد من المحال القديمة التي تميزت بمهن وحرف وصناعات شعبية وتقليدية تعتمد في غالبيتها على المهارات اليدوية التي توارثها أصحابها او المشتغلون بها عن أجدادهم وآبائهم وربما ورثوها لأبنائهم حرصاً منهم في التواصل والحفاظ عليها كجزء من الموروث الشعبي الأصيل على الرغم من ان بعضها قد أصبح بحكم الاندثار والنسيان في ظل اجتياح المنتجات والمصنوعات الحديثة والمستوردة التي هي من أسباب اختلال قانون العرض والطلب حتى صار أصحابها يعانون من الكساد والشح في عدم اقبال الناس على شرائها او اقتنائها لا بالنزر اليسير والذي لايكاد يكفي لسد احتياجاتهم اليومية مما دفع الكثير منهم الى بيع محالهم ومصادر رزقهم والاتجاه الى مزاولة مهن أخرى ربما تدر عليهم ارباحاً أكثر وبطرق أسهل . 
في  احد دكاكين هذا السوق اتخذ الحاج حسن عليان عبود (أبو عماد) الذي تجاوز الخامسة والسبعين من العمر آخر العنقود من العاملين بها مكاناً له ليزاول مهنة تصليح المدافئ النفطية والبريمزات القديمة مصدراً لمعيشته وعياله منذ ما يزيد على نصف قرن من الزمان بعد ان توارث هذه المهنة الآيلة للاندثار والانقراض من والده وجده وكما يقوم حين التقيناه منذ صباه، فوالده كان من الصفارين المعروفين في بغداد وقد بدأ عليه التذمر وهو يتحدث اليّ لتدهور احوال السوق وعدم اقبال الناس كما كان في السابق على تصليح ما افسده الدهر وأتعبه الاستهلاك للمدافئ والبريمزات النفطية التي عزفت الكثير من العوائل البغدادية عن استخدامها لأغراض الطبخ وخاصة في المدينة وعلى حد قول الحاج ابو عماد بأنه يشتغل شهراً ويصبر دهراً بلا عمل وخصوصاً بأنه لايمتلك راتباً تقاعدياً . معبراً عن انزعاجه من وجود الاجهزة المستوردة والتي غزت السوق بشكل كبير . وحين سألته عن الفرق بين أيام زمان وهذه الأيام ردّ عليّ وقد علت وجهة ابتسامة شفيفة”عمي قبل نعمة وفوق النعمة يا راتب يابطيخ “.. 
وماذا عن أجور التصليح آنذاك ؟ 
كانت الأجرة لاتتجاوز خمسين أو مئة فلس وصدقني كنا نعيش رغم ذاك ببحبوحة ورفاهية . 
*وهل ورثت هذه المهنة لأولادك ؟ 
-  نعم لقد علمتهم أسرار هذه المهنة ولكنهم تركوها واتجهوا لأعمال أخرى وقد تعلم على أيدي الكثير من العاملين الذين اتقنوا الصنعة، وصاروا أسطوات ومن المعروفين والمشهورين في هذه المهنة في بغداد والمحافظات وكان يشاركني الشهرة، زميلٌ آخر اسمه سلمان كبة. 
ويشير الحاج أبو عماد خلال حديثه بأن العاملين بهذه المهنة يتوقفون عن العمل خلال فصل الصيف حتى  مجيء فصل الشتاء، ويصر الحاج على حبه وعشقه لمهنته هذه  والتي كما يقول سيبقى على التواصل معها مادام حياً، وانا أعتز بزبائني الذين ما زالوا يتواصلون معي من كل مكان وليس من منطقة الكرخ فقط، ومن الشخصيات المعروفة التي تتردد علي الأستاذ عارف السويدي وهو على ما اعتقد شقيق الشخصية  السياسية المعروفة توفيق السويدي وانا اهم بمغادرة المكان سألت الحاج أبو عماد ممازحاً ان كانت لديه الرغبة بالزواج مرة ثانية بعد ان تجاوز السبعين عاماً من العمر فرد علي مبتسماً بقوله بأن ظروف الحياة صارت الآن صعبة والا كنت قد فعلتها فتعالت ضحكاتنا معا ولسان حاله يقول” ألا ليت الزمان يعود يوماً”.