د. حسين محمد الفيحان
تُعرف «البتاويين» قبل العام 2003، بكونها من المناطق الموبوءة، التي تضم في ازقتها المظلمة والمتهالكة «القديمة» تجار المخدرات وشبكات الدعارة، لكنها تطورت بعد العام 2003، لتكون مكاناً امناً لعصابات الجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والأعضاء البشرية، فالبغداديون يصفونها بالمنطقة المظلمة، التي لا يمكن الدخول لها إلا بأوقات محددة وما عداها فيمكن أن تختفي أو تذوب، ولا تستطيع أي جهة الوصول اليك، بوجود أخطر وأكبر العصابات فيها.
«البتاويين» التي تقع في قلب العاصمة وتبعد عن مقار الحكومة بأقل من (1،5) كم ولا يفصلها عنها سوى «جسر»، رغم اهمالها لسنوات، وقعت هذه المرة تحت «المايكروسكوب» الاستخباراتي الأمني، فلم تأت العملية الأمنية التي قامت بها وزارة الداخلية مؤخراً للاستعراض الأمني، بل سبقتها على مدى أشهر عمليات استخباراتية لعناصر امنية كانت تتجول في المنطقة بلباس مدني، لم يتعرف عليهم أحد تمكنوا من تحديد الأهداف المطلوبة، بناءً على مصادر خاصة ودقيقة تملكها الداخلية حتى تحديد ساعة الصفر، لتحبس القوات الأمنية أنفاس المحلة (101) بواقع أكثر من (75) زقاقاً بغلقها بشكل مفاجئ من جميع المداخل والمخارج منها، بعملية نوعية هي الأكبر منذ سنوات، فلا شيء يسود في المنطقة، سوى عجلات القوات الأمنية وعناصرها، وهي تعتقل المئات من تجار المخدرات والأعضاء البشرية وعصابات الجريمة المنظمة، فضلا عن ملاحقة مخالفين لقانون شروط الإقامة من العرب والأجانب، وتفكيك شبكات دعارة، وغلق مذاخر وصيدليات ومختبرات غير مجازة من وزارة الصحة، وضبط شركات وهمية للحوالة الداخلية والخارجية ونقل البضائع.
مع هذه العملية الأمنية الأوسع دخلت أيضاً الدوائر البلدية التابعة لأمانة بغداد، لتفتح عدداً من الطرق التي كانت مغلقة، وتعيد إكساءها وتنظيفها وغسلها وإزالة التجاوزات الكبيرة عن الأرصفة والساحات وداخل الأزقة، التي كانت تمثل وكراً لممارسة مختلف أنواع الجرائم.
البتاويين التي كانت تسمى قبل أقل القرن بمنطقة «الباشوات»، لساكنيها المحترمين والمثقفين والأثرياء، تهدف وزارة الداخلية من عمليتها إلى إعادتها، كإحدى الواجهات التراثية والثقافية في العاصمة بغداد.
ونحن نشدو على يد وزارة الداخلية ووزيرها، الذي أشرف بشكل مباشر على العملية التي أسموها «صولة البتاويين»، نتساءل.. عمَّا بعد صولة البتاويين.. هل ستترك المنطقة، وتكون هذه العملية كسابقاتها من العمليات الأمنية، التي بعد انتهائها عادت اليها العصابات ونمت وتكاثرت من جديد، فيقيناً هناك من تسربَ من البتاويين إلى مناطق أخرى في السعدون والباب الشرقي وغيرها من المناطق الخطرة، التي يمارس بها البغاء والشذوذ الجنسي والدعارة، والتي تحتاج إلى عمليات امنية أيضاً، وينتظرون انتهاء هذه العملية التي تستمر لعدة أيام ليعودوا، لذا فالمنطقة تحتاج إلى تغيير جذري وشامل، كونها في قلب بغداد وقرب أماكن مهمة، بتحويلها إلى منطقة سياحية وثقافية وحدائق وأسواق ومجمعات سكنية أيضاً، مع تعويض ساكنيها حالياً، من خلال: تطهيرها من العناصر المسيئة من الرجال والنساء بنقلهم إلى مناطق أخرى مراقبة أمنياً، وإعادة مخالفي شروط الإقامة من العرب والأجانب إلى بلدانهم، واستغلال البيوت القديمة والمتروكة العائدة ليهود العراق في البتاويين، الذين هجروا في العام 1951، بإعادة تأهيلها وفتح المنتديات الثقافية فيها، واسكان بعض موظفي الدوائر بها.