(مُحلّـل) .. بالشَّـطـّـة والليمون

الرياضة 2024/05/06
...

علي رياح

لماذا يحرص البعض من ضيوف البرامج الرياضيَّة كلَّ الحرص على أن يُخفي صفته الأصل والأهمّ ويطلب من المسؤولين عن البرامج كتابة وصف مُحلل رياضي أو خبير كروي، وهو لا يملك في واقع الأمر الحدّ الأدنى من الشروط والمؤهلات والمواصفات التي تجعل منه مُحللاً أو خبيراً، فهو ليس نجماً كبيراً سابقاً، ولا مدرباً يحترف المهنة، ولا هو يملك سجلاً عَملياً حتى لو كان فقيراً في ميدان الأبحاث الكروية التي يشتغل عليها ميدانياً ونظرياً ثم يقدمها إلى الوسط الذي يعمل فيه إعماماً للفائدة والثقافة وطلباً للتطوير؟.
واجهتني، على المستوى الشخصي، هذه الرغبة من ضيوف ظهروا على الشاشة وكانت لديهم أمنية أن يُكتب على الشاشة في التوصيف الشخصي لهم عبارة (مُحلل كروي)، وكان الضيف منهم مستعداً للتنازل عن أي صفة أخرى أو حتى مكافأة الظهور في البرنامج بمجرد أن يُستجاب لرغبته العارمة ويُسبغ عليه البرنامج صفة (المُحلل).
السؤال يمتدّ ليشمل حتى هذا الإعلامي أو ذاك ممن يفضل عبارة (خبير كروي) وهنا يبرز العجب بالنسبة لي، لماذا يتخلّى (الزميل) عن وصف بديع ومُحبب مثل (إعلامي رياضي) ويرتضي لنفسه أن يرتدي لبوس المُحلل وهو الذي لا يفقه في تحليل كرة القدم إلا بقدر ما يفهمه شاعرنا العظيم أبو الطيب المتنبي في صناعة الصواريخ البالستية؟.
الزملاء المشتغلون في الإعلام التلفزيوني يُدركون أنني مُقلل جداً جداً في ظهوري ضيفاً على برامجهم وفي فترات متباعدة، وكنت في كلِّ مرة أحرص على التشديد والتأكيد على كتابة (إعلامي رياضي) بجانب اسمي، فهذه العبارة راقية، وتبعث على الفخر، وتؤكد الانتماء، وتتعامل بمصداقية مع النفس ومع الآخرين..
في القنوات الرصينة والشهيرة، لا يُستعان إلا بأهل الصنعة، ولهذا لا ينال ضيف أو متحدث في برنامج صفة مُحلل سياسي أو خبير ستراتيجي إلا إذا كانت مكانته العلمية والعملية وخبرته في هذا الميدان تمهّد له الطريق تماماً إلى هذا الوصف.. وفي كرة القدم- على سبيل المثال- لا ينطبق على كل من يظهر على الشاشة مثل هذا العنوان إلا إذا كان مُحللاً ذا تجربة وإلا إذا كان خبيراً رائع المنطق تمتد جذوره إلى تجربة كروية، وأنا هنا لا أملك إلا الإعجاب بنماذج رائعة تقدم الإضافة وتثريني دوماً كمشاهد مثل محمد أبو تريكة وطارق الجلاهمة وحاتم الطرابلسي ومن على شاكلتهم من نجوم التحليل، الذين ارتبطوا من قبل بنجومية اللعب والتدريب، لهذا تأتي معالجاتهم للشأن الكروي من ناحية فنية صرفة تزيد الكلام في الكرة وعن الكرة متعة وجمالاً.. وبالطبع لا تخلو ساحتنا المحلية العراقية من بعض المُحللين الرائعين المبدعين من ذوي الاختصاص..
فوجئت ذات مرة بشخص مُهذّب يدّعي الانتماء إلى كرة القدم، وهو يتمنى عليَّ أن (أدعمه) بوضع عبارة (مُحلل كروي) إذا كنت أنوي استضافته في أحد البرامج.. كان ردّي أنَّ أمر الاستضافة ليس وارداً، فالرجل لا يجيد سوى الكلام المُصفَّط المكرور الذي يدور به في المساءات على الشاشات، وكلمة (مُحلل) عندي عظيمة الأثر والمعنى ولا يمكن تداولها في سهولة، إلا إذا أضفت- مع تقديري الشديد- نقطة فوق حرف الحاء ليصبح النِتاج لدينا (مُخلّلاً).. بالشطّة والليمون على رأي أشقائنا المصريين.